للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٤ - ولمَ قال بلدأ كان، أو قرية؟.

فالجواب عن السؤال الأول: أن يقال: أجمع الفقهاء على سقوط الجمعة على المسافر إلا داود، فإنه يوجبها عليه. وقال الزهري والنخعي: تجب عليه إذا سمع النداء. ودليلنا قول تميم الداري: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: الجمعة واجبة إلا على خمسة امرأة وصبي ومريض ومسافر ومملوك (١). وقد أقام أنس بنيسابور سنة أو سنتين فكان لا يُجمّع. ولأن الله عَزَّ وَجَلَّ أسقط على المسافر بعض الصلاة مع كون الساقط عنه منها واجبًا في حق كل أحد. فالجمعة أولى بالسقوط. لأن السعي وانتظار الجمعة أشق من فعل أربع. وما كان أشق كان أولى بالسقوط. فإن احتج المخالف بقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} (٢). وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: الجمعة على من سمع النداء (٣). قلنا: هذان عمومان، والخبر الذي استدللنا به يخصصهما مع ما عضده من القياس.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: إنما ذكر الاستيطان مع الإقامة. لأن الاستيطان بالمقام بوطن بنية التأييد. والإقامة اعتقاد المقام بموضع يلزمه فيه إتمام الصلاة، هذا المقصد بهاتين العبارتين في إطلاقات الفقهاء في مثل هذا. فكل استيطان إقامة وليس كل إقامة استيطانًا. قال بعض المتأخرين: إن اعتبرنا الاستيطان فلا يجوز لجماعة مرت بقرية خالية من أهلها فرأوا أن يقيموا شهرًا أو شهرين أن يجمّعوا. لأنهم وإن أقاموا في المكان ليس بمكان استيطان لهم. وإن اعتبرنا الإقامة جاز لهم ذلك. وقد رواه ابن القاسم عن مالك. فأنت ترى كيف اختلف معنى الاستيطان ومعنى (٤) الإقامة. وإن مجرد الإقامة لا تستقل بنفسها دون معنى يضامها وسنتكلم على المعنى الذي يعتبر فيها إن شاء الله تعالى.

والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: إنما وصف الوطن بكونه يمكن


(١) تقدم تخريجه قريبًا.
(٢) سورة الجمعة، الآية: ٩.
(٣) رواه أبو داود وفي إسناده مقال. مختصر المنذري ج ٢ ص ٧.
(٤) معناه -و-.

<<  <  ج: ص:  >  >>