للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني: الخلاف (١) الفقهي عند ابن بشير

لقد ظهر الخلاف في المسائل الفقهية من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، واختلف الصحابة رضوان الله عليهم بين يديه عليه السلام، وأقرهم على ذلك (٢). وقد ظهر الحديث عن الخلاف في وقت مبكر جداً. ومن بين أقدم المؤلفات في هذا الميدان: الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن الشيباني (ت) ١٨٩هـ.

وقد كانت مناهج العلماء الخائضين في هذا المجال في بداية الأمر لا تخرج عن منهجين اثنين:

الأول: منهج سرد الأقوال والآراء الفقهية مجردة من أدلتها وأصولها، أو مع ذكر بعض الأدلة والأصول من غير قصد إلى الترجيح والاختيار. ومن جملة من سلك هذا المنهج نجد: أبا عبد الله محمد بن نصر المروزي ت ٢٩٤هـ في كتابه اختلاف العلماء. وأبا جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه اختلاف العلماء كذلك.


(١) لقد حاول البعض التمييز بين الخلاف والاختلاف. والذي عليه المحققون؛ أنه لا فرق بينهما. انظر تفصيل ذلك في نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء ص: ١٧٩، وتهذيب المسالك في نصرة مذهب مالك ١/ ١٠٣، والتصنيف الفقهي في المذهب المالكي الخلاف العالي نموذجًا ٢/ ٢٠٢.
(٢) فمن بين اختلافهم بين يديه عليه السلام ما أخرجه البخاري في صحيحه ١/ ٣٢١ عن ابن عمر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا لما رجع من الأحزاب: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة". فأدرك بعضهم العصر في الطريق. فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك. فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحداً منهم.
ومن ذلك ما أخرجه أبو داود في سننه ١/ ٩٣ عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً فصليا. ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: "أصبت السنَّة وأجزأتك صلاتك". وقال للذي توضأ وأعاد: "لك الأجر مرتين". انظر تفصيل ذلك في جامع بيان العلم وفضله ٢/ ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>