للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرن الرابع، ولعل آخر المجتهدين المستقلين ابن جرير الطبري ت ٣١٠هـ إذ لم نسمع بعده عمن استقل بالاجتهاد. إلا أن جذوة الاجتهاد من حيث العموم لم تتوقف ولن تتوقف إذ لا بدّ أن يوجد في الأرض من يقوم لله بالحجة.

ولقد ظهر الاجتهاد بعد هذه المرحلة في أنماط وأشكال مختلفة، أهمها التخريج والاستقراء أو الإجراء، وهي مصطلحات ذات معان متقاربة، يستعملها المجتهد المقيد الذي التزم النظر في نصوص إمامه، يستنبط منها ويقيس عليها، ويلحق ما سكت عنه إمامه بما نص عليه. ولقد اختلف علماء المذهب في حكم التخريج ونسبة القول المخرج إلى الإمام؛ فأجازه عامتهم بشروط منها: مراعاة قواعد الإمام الخاصة به. وأجازه اللخمي مطلقاً، من غير مراعاة قواعد الإمام بل يخرج على قواعده وقواعد غيره. ومنعه مطلقاً ابن العربي، وابن عبد السلام، وميارة الفاسي، وهو ظاهر نقل الباجي (١).

وكيف ما كان الحال، فقد تعاطى له كبار أئمة المذهب بعد مرحلة الاجتهاد المطلق، استجابة لما أفرزه المجتمع من قضايا ونوازل لا تجيب عنها أقوال إمام المذهب على كثرتها، فكان من الضروري الالتجاء إلى الاجتهاد لملئ ذلك الفراغ التشريعي، والإجابة على تلك النوازل والمسائل، فنشطت حركة التخريج والتفريع ... وقد كان هذا في المرحلة التي تلت مرحلة الأئمة الكبار، أعني القرن الثالث والرابع. والمرحلة التي جاءت بعد هذه ورث أصحابها عن سابقتها ثروة فقهية غزيرة، احتاجت إلى من يقوم بتنقيحها وغربلتها وتميز صحيحها من سقيمها ومشهورها من شاذها، فتفرغ علماء هذه المرحلة لهذا العمل. ولعل هذا هو السبب الرئيس الذي جعلنا نلاحظ قلة المخرجين في المرحلة التي تلت مرحلة الظهور والتأسيس، وإن كانت هناك استثناءات وحالات خرجت عن هذا النسق. كاللخمي والمازري


(١) انظر مواهب الجليل ٦/ ٩٤، وكشف النقاب الحاجب ١٠٧، وفتح الودود شرح مراقي السعود ٣٦٣، وأحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>