للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه ذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن مس الذكر هل يوجب الوضوء؟ فقال: "وهل هو إلا بَضعَةٌ منك" (١).

وقد بني المالكية الحديثين فرأوا أنه ينقض بمسه الوضوء على صفة دون صفة. وما هي الصفة؟ فلهم أربعة أقوال؛ أحدهما: اعتبار اللذة، فإن وجد اللذة بمسه انتقض، وهو رأي البغداديين (٢) من أهل المذهب. والثاني: مراعات العمد، فإن مسه عامداً انتقض وضوءه، وإن كان ناسياً (٣) لم ينتقض، وهو مذهب مالك في أحد أقواله وسحنون (٤). والثالث: مراعاة باطن الكف، فان مسه بغيره لم ينتقض وهو مذهب أشهب، والرابع: مراعاة باطن الكف وباطن الأصابع، فإن مسَّه بغيرهما لم ينتقض، وهو مذهب الكتاب (٥). وكأن الجميع يراعون اللذة. فراعى البغداديون وجودها وعدمها. وراعى من فرق بين العمد والنسيان أن اللذة توجد غالباً مع العمد بخلاف النسيان. وراعى أشهب باطن الكف لأن فيه من لطافة الحس (٦) ما ليس في سائر الأعضاء. والغالب وجود اللذة به بخلاف غيره من الأعضاء. وراعى (٧) في الكتاب أن باطن الأصابع بمنزلة باطن الكف، إذ فيها من لطافة الحس ما فيها. وقد استدل هؤلاء بما ورد في بعض الطرق: "من


(١) عن طلق بن علي قال: "قَدِمْنَا عَلَى نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ: يَا نَبِيِّ اللهِ، مَا تَرَي في مَسِّ الرّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّاُ؟ فَقَالَ: "هَل هُوَ إلاَّ مُضغَةٌ مِنْهُ" أَوْ قَالَ: "بَضْعَةٌ مِنْهُ" أخرجه الترمذي في الطهارة ٨٥، وأبو داود في الطهارة ١٨٢ واللفظ له، والنسائي في الطهارة ١٦٥، وابن ماجه في الطهارة ٤٨٣، وابن حبان في صحيحه ٣/ ٤٠٢، قَالَ الترمذي: وَقَد رُوِيَ عَنْ غَيْرِ واحِدٍ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ لَمّ يَرَوُا الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَر، وَهُوَ قَوْلُ أَهْل اَلْكُوفَةِ وَابْن الْمُبَارَكِ.
(٢) يقصد بالبغداديين: أتباع الإمام مالك في العراق، وهم القاضي إسماعيل وابن القصار وابن الجلاب والقاضي عبدالوهاب وأبي الفرج والأبهري ونظائرهم.
(٣) في (ق) وإن مسه غير متعمد.
(٤) انظر النوادر والزيادات ١/ ٥٤.
(٥) المدونة ١/ ٨.
(٦) في (ق) الجسم.
(٧) في (ر) و (ص): ورأى.

<<  <  ج: ص:  >  >>