للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جسم الدولة الصنهاجية، ولعل ما ساعدهم على تخريبهم، اغترار المعز بن باديس بشدة بأسهم وبطشهم وطمعه في استمالتهم وتقريبهم منه، وذلك أن المعز لم يكن مرتاحًا لإخوانه وبني عمه، فأراد أن يقرب هؤلاء الإعراب ويكون منهم جيشًا بديلًا عن الجيش الذي نفذ فيه أقاربه، فدفعه هذا الطمع إلى عدم التصدي لهم في بداية الأمر. بيد أن ابن باديس لم يكن على دراية بطبائع هؤلاء الإعراب وما جبلوا عليه من التمرد والتخريب والسلب والنهب، جاء في كتاب تاريخ المغرب الكبير: "وكان أول من وصل من بني هلال مؤنس بن يحيي الرياحي أمير رياح، فقدم على المعز، وكان المعز قد سئم صنهاجة فأراد أن يستبدلهم بعنصر آخر، فاستلطف مؤنسًا وكان سيدًا في قومه، شجاعًا عاقلًا، فاستدناه المعز إليه، وزوجه من إحدى بناته. وفاوضه في استدعاء عرب بني هلال من طرابلس وحدود إفريقية ليستعين بهم علي بني عمه فنصحه مؤنس بعدم التفكير في ذلك وعرفه بقلة اجتماعهم على الكلمة، وعدم انقيادهم إلى الطاعة. ولكنه ألح عليه إلحاحًا متواصلًا، وعلل امتناعه من استقدامهم إلى إفريقية بحسده لقومه. فلم يسع مؤنسًا أمام هذا الإلحاح إلا أن يدعوهم ... " (١).

فما كاد الأعراب يصلون إلى قرية من القرى الإفريقية حتى ظنوا أنها القيروان فتنادوا القيروان القيروان فهبوا إلى تخريبها ونهبها. فعظم الأمر على المعز فظن أن مؤنسًا دفعهم إلى ذلك ليظهر صدق نصحه للمعز. فأمر المعز بالقبض على أخي مؤنس، وبثقات أولاده، وختم على داره بالقيروان. وزاد ذلك من حنق مؤنس على المعز فقال: قدمت النصيحة فحاق الأمر بي ونسبت الخطيئة إلى فكان أشد إضرارًا من القوم (٢).

ولما وصل الأمر إلى هذا الحد في سنة ٤٤٣ هـ، لم يجد المعز بدًّا من مواجهة الإعراب فخرج إليهم في جيش عرمرم يقدر بثلاثين ألف جندي، إلا أن هذه الأعداد لم تثبت معه. فالعرب البلديون الذين كانوا معه


(١) ٢/ ٦٦٨.
(٢) البيان المغرب ١/ ٢٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>