للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الكلام أهل بدع وزيغ. ولا يعدون عند الجميع في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه. ويتفاضلون في الإتقان والميز والفهم. وقال أيضًا: أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام. فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع؛ أشعريًا كان أو غير أشعري. ولا تقبل له شهادة في الإسلام، ويفجر ويؤدب على بدعته. فإن تمادى عليها استتيب منها .. وليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء نصوصًا في كتاب الله أو صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو اجتمعت عليه الأمة" (١).

على هذا المنهج سار أهل المغرب والأندلس، إلى أواخر القرن الخامس الهجري. فتبنى بعض كبار المالكية العقيدة الأشعرية، وفرضها الموحدون على الغرب الإسلامي، كما سيأتي توضيح هذا في الحديث عن إفريقية.

وبالنسبة للتصوف فقد عرفته المنطقة، وعرفت بدايته السنية القائمة على الزهد في الدنياّ، والرباط في الثغور، والجهاد في سبيل الله ضد النصارى. إلا أنه ما فتئ يتأثر شيئًا فشيئًا بالتصوف الفلسفي القادم من الشرق، إلى أن وصل إلى حد الانحراف والتصادم مع العلماء المحافظين على سلامة العقيدة في جوهرها ومظهرها. بل تطور التصوف في الأندلس حتى صدرت هذه الأخيرة للمشرق بعض زعماء التصوف من أشهرهم ابن عربي صاحب وحدة الوجود.

أما وضع الفقه، فإن المغرب والأندلس يعدان من البلدان القليلة التي عرفت وحدة المذهب الفقهي؛ فقد وصل إلى المغاربة في بداية أمرهم مذهب الإمام الأوزاعي، ومذهب الإمام أبي حنيفة النعمان (٢). لكن سرعان ما تخلصوا منهما وتمسكوا بالمذهب المالكي، وآثروه على غيره من المذاهب، وتكونت لهم في نفوسهم منزلة عظيمة حتى عدوا من خالفه


(١) جذوة المقتبس ١٠١، وبغية الملتمس ١٥٥.
(٢) وقد أشار إلى هذا الحميدي في جذوة المقتبس ص ٢٠٣ والقاضي عياض في ترتيب المدارك ١/ ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>