للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك. ولم يكن أحد من المسلمين يحاول التميز بسلوك ينفرد به دون غيره، يفسر شططًا بعض أمور العقيدة على ضوء ما بدر منه. فعامة المسلمين يؤدون شعائرهم على ضوء ما أمر به الله ورسوله ولم يكن بينهم من يريد أن يستقل بسلوك أو بنهج في التعبد يخرج به عن نطاق ما في كتاب الله والعمل بسنة رسوله.

ويتعسر هنا الحديث عن ظروف وحيثيات نشوء التصوف بمدارسه وأشكاله المعروفة. لكن الذي يعنينا هو وضع هذه النزعة بإفريقية.

فقد بدأ التصوف فيها زهداً سنيًا مرتبطًا بالجهاد والرباط في الثغور والانقطاع لتدريس العلوم الشرعية. وكان زعماؤه من فقهاء المالكية، فارتبط الفقه في هذه المرحلة بالزهد.

فهذا أبو إسحاق الجبنياني الزاهد الورع (ت) ٣٦٩ الذي أقبلت عليه الدنيا وأعرض عنها، وقد كان أبوه وجيهًا عند الأغالبة ووصل إلى منصب الوزارة. قال عنه عياض: "أحد أئمة المسلمين وأبدال أولياء الله الصالحين" (١).

وقد أثنى عليه كثير من العلماء جمعهم القاضي عياض في النص التالي: "وكان أبو الحسن القابسي يقول: الجبنياني إمام يقتدى به، وكان أبو محمد بن أبي زيد يعظم من شأنه ويقول طريق أبي إسحاق خالية لا يسلكها أحد في الوقت. ويقول: لئن لم يكن أمر أويس القرني صحيحًا فالجبنياني أويس هذه الأمة. ويقول: لو فاخرتنا بنو إسرائيل بعبادها لفاخرناهم بالجبنياني، ويقول من محبتي فيه وكثرة ذكري له أني أراه في المنام. ولقد قوي قلبي أن يدعو لي، وأنه رأى جامع مختصر المدونة الذي ألفته فأعجبه. وكان أبو محمد بن التبان يثني عليه. وكان مسرة بن مسلم إذا ذكره يبكي بكاءً عظيمًا ويقول: كان والله مقدمًا علينا في صغره وفي كبره ... قال أبو القاسم اللبيدي: ... قال لي أبو إسحاق: أتدرسون في


(١) ترتيب المدارك ٦/ ٢٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>