للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول الثالث: أن أعداده أربعة عشر موضعاً فأسقط مما ذكرناه سجدة آخر الحج (١). وجمهور متأخري أهل المذهب يرون أن هذا خلاف، وأن المشهور ترك السجود فيما عدا الأحد عشر موضعاً. والقاضي (٢) أبو محمد يرى أن السجود مأمور به في جميع الخمسة عشر، لكنه في الأحد عشر آكد منه في الباقي. وعليه يتأول المشهور. ويحتج بقول مالك في موطئه:"عَزَائِمُ سُجُودِ القُراَنِ إِحدَى عَشرَةَ سَجدة" (٣). وهذا يدل على أن في القرآن سجودَ [غيرِها] (٤)، لكنه ليس من العزائمِ. فيصير المذهب عنده على أن السجود مشروع في الأحد عشر موضعاً متأكداً، وفي غيره من الأربعة مواضع غير متأكد. وهو غير مشروع في غير هذه المواضع.

وسبب الخلاف على ما قاله الجمهور اختلاف آثار؛ فحكى زيد بن ثابت وابن عباس وغيرهما أن الرسول عليه السلام لم يسجد بعد الهجرة في المفصل (٥). وحكى أبو هريرة وغيره أنهم سجدوا في المفصل خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٦) وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل هل في الحج سجدتان؟ فقال: نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأ (٧). وهذا يقتضي تأكيد السجود وثبوته في


(١) في (ق) آخر النجم.
(٢) في (ق) و (ت) وهي ما تقدم والقاضي.
(٣) مالك في النداء للصلاة.
(٤) ساقط من (ق) و (م).
(٥) أخرج البخاري في الجمعة ١٠٧٣ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ "قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّجْم فَلَمْ يَسْجُد فِيهَا"، وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه ١/ ٣٧٧ عن ابن عباس وذكروا سجود الَقرآن فقال: "الأعراف والرعد والنحل وبنو إسرائيل ومريم والحج سجدة واحدة والنمل والفرقان وألم التنزيل وحم السجدة وص وليس في المفصل سجود". وأخرج البيهقي في سننه ٢/ ٣١٣ قال ابن عباس: "ليس في المفصل سجدة"، وأخرج عبد الرزاق في مصنفه ٣/ ٣٤٣ عمن سمع عكرمة يحدث قال: "سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في المفصل إذ كان بمكة يقول ثم لم يسجد بعد".
(٦) أخرج مسلم في المساجد ٥٧٨ واللفظ له، والترمذي في الجمعة ٥٧٣ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ "سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي إِذاَ السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ".
(٧) لم أقف عليه بهذا اللفظ إلا بلفظ قريب أخرجه أبو داود في الصلاة ١٤٠٢، والترمذي في الجمعة ٥٧٨ عن عُقْبَةَ بْن عَامِرِ قَالَ قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ؟ قَالَ "نَعَمْ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا". واللفظ لأبي داود.

<<  <  ج: ص:  >  >>