للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصل في هذا الخلاف فيها أو في ما يأتي بعدها أن الجمعة وقعت في ابتداء الإسلام في مصر بإمام تؤدى إليه الطاعة وخطبة وجامع. وهذا يحتمل أن يكون اتفاقًا، ويحتمل أن يكون مقصودا إليه. وقد اختلف في أفعاله - صلى الله عليه وسلم - هل تحمل على الوجوب إلا ما قام الدليل أنه ندب، أو تحمل على الندب إلا ما قام الدليل أنه واجب.

[(الشرط الثاني: الجماعة)]

وأما الجماعة فلا خلاف في اشتراطها على الجملة. وهل هي محدودة أم لا؟ في المذهب قولان: المشهور أنها غير محدودة بعدد، لكن لا يجزي منها اثنان ولا ثلاثة ولا أربعة وما في معنى ذلك. والشاذ أنها محدودة بعدد. وما هو؟ قولان: أحدهما: ثلاثون، وقد روي حديث في هذا التحديد (١) وإن لم تكن فيه شروط الصحة. والثاني: أنها خمسون (٢)، وهذا تحديد على مقدار تتقرى بهم القرية ويمكنهم فيها مداومة الثوى (٣)، ويستغنون عن غيرهم ويحصل بجماعتهم إقامة أبهة الإسلام في موضعهم.

وهل يشترط في الجماعة المشار إليها كونهم فيمن تلزمهم الجمعة وتنعقد بهم وإن كانوا لا تلزمهم ابتداء لكن تنوب لهم كالصبيان والعبيد ومن في معناهم من المسافرين؟ في المذهب قولان. وهما على ما قدمناه من


(١) لم أقف على حديث يحدد العدد في الثلاثين، وهناك حديث ضعيف أيضًا يحدده في أربعين. انظر نور اللمعة في خصائص الجمعة ص:٤٧.
(٢) قال الشوكاني في نيل الأوطار ٣/ ٢٨٦: "من قال باشتراط الخمسين فمستنده ما أخرجه الطبراني في الكبير والدارقطني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "الجمعة على الخمسين رجلاً وليس على ما دون الخمسين جمعة" قال السيوطي: لكنه ضعيف ومع ضعفه فهو محتمل للتأويل لأن ظاهره أن هذا العدد شرط للوجوب لا شرط للصحة فلا يلزم من عدم وجوبها على ما دون الخمسين عدم صحتها منهم". ثم قال:"قال عبد الحق إنه لا يثبت في عدد الجمعة حديث، وكذلك قال السيوطي لم يثبت في شيء من الأحاديث تعيين عدد مخصوص".
(٣) الثوى: الإقامة. انظر النهاية في غريب الحديث ١/ ٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>