للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه حكى (١) اختلاف أصحابنا في غسل الجمعة فقال بعضهم: سنة مؤكدة لا يجوز تركها إلا بعذر، وقال بعضهم: مستحب. وعوَّل على أن المذهب مختلف في وجوبه، أخذا من حكاية أبي جعفر هذه (٢). وليست صريحة في الوجوب كما ظنه، بل ظاهرها على غير الوجوب. وإنما يؤخذ من هذا أن المذهب على قولين: أحدهما: أن الغسل سنة، والثاني: مستحب. وهكذا قال أبو الحسن اللخمي في كتاب الطهارة. وقد يقال: إن ما حكاه أبو جعفر يقتضي الوجوب. وقوله: سنة، أي مما علم (٣) وجوبه بالسنة، كقول سحنون (٤) إن الوضوء من البول سنة، يريد: مما علم وجوبه بالسنة، وليس من قبل المندوبات. ولا شك أن ذلك محتمل، لكن الأظهر الأول. وإنما خرج فقهاء الأمصار عن ظواهر تلك (٥) الألفاظ المتقدمة المقتضية للوجوب بما ثبت من قوله عليه السلام في الجمعة:"لَوِ اغْتَسَلْتُمْ" (٦). وهذا لفظ يشعر بنفي الوجوب، إذ لا يقال في الواجب لو فعلت. ولقوله عليه السلام:"مَنْ تَوَضأَ لِلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالغُسْلُ أَفْضَلُ" (٧). وهذا نص صريح في إسقاط الوجوب، وهو أيضاً يقصده القائل بالاستحباب. وبما ثبت من قول عمر رضي الله عنه للداخل وهو يخطب "أي ساعة هذه؟ فقال ما زدت على أن توضأت، فقال عمر رضي الله عنه:


= متقناً مؤلفاً مجيداً، له حظ من اللسان والحديث والنظر، ألف كتابه النامي في شرح الموطأ والواعي في الفقه والنصحية في شرح البخاري والإيضاح في الرد على القدرية وغير ذلك، وكان درسه وحده لم يتفقه في أكثر علمه على إمام مشهور وإنما وصل بادراكه، حمل عنه أبو عبد الملك البوني وأبو بكر بن محمد بن أبي زيد توفى بتلمسان سنة ثنتين وأربعمائة. الديباج المذهب ص: ٣٥ والشجرة ص: ١١٠ (٢٩٣).
(١) في (ق) ذكر.
(٢) التبصرة ص: ١٢٣.
(٣) في (ق) أي ما يعلم.
(٤) في (ر) ابن سحنون.
(٥) في (ر) عن ظواهر ألفاظ، وفي (ت) على ظواهر.
(٦) البخاري في الجمعة ٩٠٣ واللفظ له، ومسلم في الجمعة ٨٤٧.
(٧) أخرجه الدارمي في الصلاة ١٥٤٠، وابن عبد البر في التمهيد ١٠/ ٧٩ واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>