للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحقيقة ما يعاد من السنن المتروكة في الوضوء وما لا يعاد، أن كل سنة إذا تركت ولم يؤت في محلها بعوض فإنها تعاد. وهذا كالمضمضة والاستنشاق ومسح داخل الأذنين والترتيب وكل سنة عوضت في محلها؛ كغسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء ومسح الرأس عائد من المقدم إلى المؤخر فلا تعاد، لأن محلها قد حصل فيه الغسل والمسح. انتهى. وذكر ابن عرفة كلام ابن بشير، وقال بعده: قلت يرد بعموم نقل الشيخ عن ابن حبيب إعادة ما ترك من مسنونه، وإن سلم في اليدين فلاستحالة تلافيه لتقييده بالقبلية وتلافيها مستحيل أو موجب إعادة الوضوء فتصير السنَّة واجبة، انتهى. قلت: قد سلم ما قاله ابن بشير إذا كان لا يعيد غسل اليدين فلم يبق إلا رد مسح الرأس والاستنثار وهما أولى بعدم الإعادة لأن إعادتهما تستلزم تكرار مسح الرأس بماء جديد، أو مسحه من غير بلل في اليد. ولا فائدة فيه كما تقدم في كلام اللخمي. وكذلك الاستنثار، لا يتصور فيه الإعادة إلا بإعادة الاستنشاق. فالصواب تقييد ما نقله الشيخ عن ابن حبيب بما عدا الثلاثة المذكورة. فتأمله، والله تعالى أعلم" (١). فمن هذا القبيل كانت غالب الانتقادات التي وجهت لابن بشير.

لكن الانتقاد القاسي واللاذع هو الذي جاءه من قبل القباب وتبناه الشاطبي.

جاء في المعيار (٢) أن الشاطبي كتب لبعض أصحابه مكتوبًا جاء فيه:

"وأما ما ذكرت لكم من عدم اعتمادي على التآليف المتأخرة فلم يكن ذلك مني بحمد الله محض رأي ولكن اعتمدت بسبب الخبرة عند النظر في كتب المتقدمين مع كتب المتأخرين، وأعني بالمتأخرين كابن بشير وابن شاس وابن الحاجب ومن بعدهم. ولأن بعض من لقيته من العلماء بالفقه، أوصاني بالتحامي عن كتب المتأخرين، وأتى بعبارة خشنة في السمع، لكنها محض النصيحة". "والعبارة الخشنة التي أشار إليها كان رحمه الله ينقلها من شيخه أبي العباس أحمد القباب، وهي أنه كان يقول في ابن بشير وابن


(١) مواهب الجليل ١/ ٢٥٢.
(٢) ١١/ ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>