للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة القول الثاني:

وهم القائلون بعدم شراء الماء سواء كثرت الزيادة عن ثمن المثل أو قلت، استدلوا بما يلي:

١ ـ أنه لو لزمه بذل اليسير للزمه بذل الكثير، ولأفضى الأمر به إلى خروجه من جميع ملكه، وهذا عدول عما يقتضيه الشرع (١).

المناقشة:

نوقش من وجهين:

الوجه الأول: أن التفريق بين الغبن اليسير والغبن الفاحش مقرر في الشرع فالمصير إليه أولى (٢).

الوجه الثاني: أن الزيادة اليسيرة لا يتحقق كونها زيادة، لدخولها بين تقويم (٣) المقومين، فصار وجودها ووجود ثمن المثل سواء (٤).

٢ ـ أن في الزيادة عليه ضرر، فلا يلزمه بذلها، كما لو خاف لصًا يأخذ من ماله ذلك المقدار، فإنه يتيمم (٥).

المناقشة:

نوقش بأن الشافعية قد قالوا في المريض: يلزمه الغسل، ما لم يخف التلف. فتحمل الضرر اليسير في المال أحرى (٦).

قال السيوطي (٧): « ... وأشكل من هذا أنهم لم يوجبوا شراء الماء بزيادة يسيرة على ثمن المثل وجوزوا التيمم، ومنعوه فيما إذا خاف شيئًا فاحشًا في عضو باطن مع أن ضرره أشد من ضرر بذل الزياذة اليسيرة جدًا، خصوصًا إذا كان رقيقًا، فإنه ينقص بذلك قيمته أضعاف قدر الزيادة المذكورة، وقد استشكله الشيخ عز الدين وغيره ولا جواب عنه» (٨).

الترجيح:

الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول، القائل بلزوم شراء الماء إذا كانت الزيادة يسيرة، وذلك لما يلي:

١ ـ قوة دليل هذا القول في مقابل ضعف أدلة المخالفين بما حصل من مناقشة.

٢ ـ أن أغلب الناس لا يلتفتون إلى هذه الزيادة لكونها يسيرة، ولأنها في مقابل الحصول على ماء الوضوء الذي هو شرط في صحة الصلاة.


(١) الحاوي (٢/ ١١٤٢).
(٢) شرح العناية (١/ ١٤٢).
(٣) التقويم: مصدر قومت السلعة إذا حددت قيمتها وقدرتها. المطلع على أبواب المقنع للبعلي (١/ ٤٠٣)، ط: المكتب الإسلامي ١٤٠١ هـ.
(٤) التجريد للقدوري (١/ ٢٦٦)، ط: دار السلام ١٤٢٥ هـ، بدائع الصنائع (١/ ٣٢٣).
(٥) المجموع (٢/ ٢٠٣)، المبدع (١/ ١٦٧).
(٦) شرح العناية على الهداية (١/ ١٤٢)، المغني (١/ ٣١٧).
(٧) هو: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضيري السيوطي، جلال الدين، فقه شافعي، إمام حافظ مؤرخ أديب، له نحو ستمائة في فروع الشافعية، ومن كتبه: الإتقان في علوم القرآن، والدر المنثور في التفسير بالمأثور وغيرهما، توفي سنة (٩١١ هـ).
انظر: البدر الطالع للشوكاني (١/ ٣٢٨)، الأعلام للزركلي (٣/ ٣٠١)، ط: دار العلم للملايين ١٩٨٤ م.
(٨) الأشباه والنظائر للسيوطي (ص ٨١، ٨٢).

<<  <   >  >>