للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: «كُنْتُ أُقَسِّمُ نَفْسِي بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، فَكُنْتُ أَكْثَرَ مَا أَسْمَعُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: " لَا أَدْرِي "، وَابْنَ عَبَّاسٍ لاَ يَرُدُّ أَحَدًا، فَسَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: " عَجَبًا لابْنِ عُمَرَ وَرَدِّهِ النَّاسَ، أَلاَ يَنْظُرُ فِيمَا يَشُكُّ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ مَضَتْ بِهِ سُنَّةٌ قَالَ بِهَا، وَإِلاَّ قَالَ بِرَأْيِهِ "» (١).

وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: «شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَقَالَ: " إِيَّاكُمْ عَنِّي، إِيَّاكُمْ عَنِّي، فَإِنِّي كُنْتُ مَعَ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنِّي أَبْقَى حَتَّى يُفْتَقَرَ إِلَيَّ لَتَعَلَّمْتُ لَكُمْ» (٢).

أما ابن عباس فقد كان يعلم أنه سيحتاج إليه، فكان يطلب العلم استعدادًا لذلك، فقد روي عنه أنه قال: «لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ , قَلَتْ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: هَلُمَّ بِنَا نَسْأَلُ الصَّحَابَةَ , فَإِنَّهُمْ اليَوْمَ كَثِيرٌ، قَالَ: وَاعَجَبًا لَكَ , أَتَرَى النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ؟! قَالَ: فَتَرَكَ ذَلِكَ وَأَقْبَلْتُ أَسْأَلُ. قَالُ: إِنْ كَانَ لَيَبْلُغُنِي الحَديثُ عَنْ رَجُلِ فَآتِي بَابَهُ وَهُوَ قَائِلٌ، فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ [تُسْفِي] الرِّيحُ عَلَيَّ مِنَ التُّرَابِ، فَيَخْرُجُ فَيَرَانِي فَيَقُولُ: " يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ، مَا جَاءَ بِكَ؟ أَلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟ " فَأَقُولُ: " لَا، أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ "، فَأَسْأَلُهُ عَنِ الحَدِيثِ فَعَاشَ الرَّجُلُ الأَنْصَارِيُّ حَتَّى رَآنِي وَقَدْ اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلِي يَسْأَلُونِي، فَقَالَ: " هَذَا الفَتَى كَانَ أَعْقَلَ مِنِّي "» (٣). وقال ابن حزم: «هُوَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ فَتْوَى عَلَى الإِطْلاَقِ وَقَدْ جَمَعَ فَتَاوِيهِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبٍ ابْنُ الخَلِيفَةَ المَأْمُونِ أَحَدُ أَئمَّةِ الإِسْلاَمِ فِي العِلْمِ وَالحَدِيثِ فِي عِشْرِينَ مُجَلَّدًا» (٤).


(١) " تذكرة الحفاظ ": ١/ ٣٦.
(٢) " تذكرة الحفاظ ": ١/ ٣٧.
(٣) و (٤) " الفكر السامي ": ٢/ ٥١، ٥٢.

<<  <   >  >>