للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النساء مذهبًا مناقضًا للآخر: فالسيدة عائشة - كجمهور المسلمين - تحرم المتعة (وهي النكاح إلى أجل ملفوظ به عند العقد) -، وابن عباس يذهب إلى تحليلها في بعض الحالات الخاصة.

وعلى الرغم من تناقضهما بشأن المتعة، فإن الذي يجمع بينهما فيها هو وحدة المنهج في إثبات ما يدعيانه، إذ كلاهما يعرض ما روي من الحديث في المتعة على القرآن الكريم:

فعندما سئلت السيدة عائشة عن متعة النساء قالت: «بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ وَقَرَأَتْ هَذِهِ الآيَةَ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٥، ٦] فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ مَا زَوَّجَهُ اللهُ أَوْ مَلَّكَهُ، فَقَدْ عَدَا» (١).

وأما ابن عباس فقد اشتهر عنه تحليل المتعة، وتبعه في ذلك أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن، حتى قال الزهري يذم أهل مكة بسبب ما روى عنهم في الصرف ومتعة النساء. «مَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَنْقَضَ لِعُرَى الإِسْلاَمِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ» (٢). ويستدل ابن عباس على مذهبه أيضًا بالقرآن، وقرأ قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٤]، وروى في قراءة عنه زيادة، إلى أجل مسمى» (٣). وكأن الأحاديث التي رويت في نسخ المتعة لم تصح عنده. وقد رجح بعض العلماء أنه رجع عن رأيه في المتعة إلى رأي الجمهور، ومن هؤلاء الترمذي، حيث قال: «وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْءٌ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي المُتْعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ»، ثم روي أَنَّ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّمَا [كَانَتِ] المُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ البَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ، فَيَتَزَوَّجُ المَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ، وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ، حَتَّى إِذَا نَزَلَتِ الآيَةُ: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ


(١) " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص ١٧٣، نقلاً عن " المستدرك " للحاكم، الآيتان هما ٥ و ٦ من سورة المؤمنون.
(٢) " جامع بيان العلم ": ٣/ ١٣٥، ١٥٤.
(٣) " بداية المجتهد ": ٢/ ٤٨.

<<  <   >  >>