للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا أحمد بن حنبل - وهو الذي هيأت له الظروف أن يقصد للفتوى - يروي عنه الكثير من قول: «لَا أَدْرِي». قَالَ أَبُو دَاوُد فِي " مَسَائِلِهِ ": «مَا أُحْصِي مَا سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا فِيهِ الاخْتِلاَفُ فِي العِلْمِ فَيَقُولُ: " لَا أَدْرِي "». قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا رَأَيْت مِثْلَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي الفَتْوَى أَحْسَنَ فُتْيَا مِنْهُ، كَانَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: " لَا أَدْرِي "».

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: «كُنْت أَسْمَعُ أَبِي كَثِيرًا يُسْأَلُ عَنْ المَسَائِلِ فَيَقُولُ:" لَا أَدْرِي " وَيَقِفُ إذَا كَانَتْ مَسْأَلَةٌ فِيهَا اخْتِلاَفٌ، وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَقُولُ: " سَلْ غَيْرِي "، فَإِنْ قِيلَ لَهُ: مَنْ نَسْأَلُ؟ قَالَ: " سَلُوا العُلَمَاءَ "، وَلاَ يَكَادُ يُسَمِّي رَجُلاً بِعَيْنِهِ».

وقال لبعض أصحابه: «إيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَكَ فِيهَا إمَامٌ» (١).

وقال أبو بكر الأثرم (أحمد بن محمد بن هانئ): «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ -، وَقَدْ عَاوَدَهُ السَّائِلُ فِي عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ , فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " [بِرَأْيٍ] أَسْتَعْفِي مِنْهَا، وَأُخْبِرُكَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلاَفًا فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: يُزَكِّي كُلَّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَتُلِحُّ عَلَيَّ تَقُولُ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فِيهَا؟ [مَا تَقُولُ أَنْتَ فِيهَا؟] وَمَا عَسَى أَنْ أَقُولَ فِيهَا؟ وَأَنَا أَسْتَعْفِيَ مِنْهَا، كُلٌّ قَدِ اجْتَهَدَ " , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: " لَا بُدَّ أَنْ نَعْرِفَ مَذْهَبَكَ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ لِحَاجَتِنَا إِلَيْهَا " فَغَضِبَ وَقَالَ: " أَيُّ شَيْءٍ بُدٌّ إِذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا، يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَقُولَ فِيهِ؟ "، ثُمَّ قَالَ: " وَإِنْ قُلْتُ فَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ وَإِنَّمَا العِلْمُ مَا جَاءَ مِنْ فَوْقٍ، وَلَعَلَّنَا أَنْ نَقُولَ القَوْلَ ثُمَّ نَرَى بَعْدَهُ غَيْرَهُ» (٢).

وقد ترجم البخاري بعض أبوابه بقوله: (بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ مِمَّا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ الوَحْيُ، فَيَقُولُ: «لَا أَدْرِي»، أَوْ لَمْ


(١) " إعلام الموقعين ": ١/ ٣٦.
(٢) " جامع بيان العلم وفضله ": ٢/ ٣١.

<<  <   >  >>