للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديثين الأخيرين إلا غسل ما يصيب من رطوبة فرج المرأة. أما الاغتسال فقد أخذ فيه بما ترجمه أولاً من (بَابٌ إِذَا التَقَى الخِتَانَانِ).

وقد فهم ابن العربي من العبارة الأخيرة للبخاري: «الغَسْلُ أَحْوَطُ» أَنَّ الغُسْلَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ حِينَئِذٍ وصعب عليه ذهاب البخاري إلى ذلك، لأن الصحابة الذين لم يروا غسلاً إلا من إنزال الماء رجعوا عن ذلك، وروى عن عمر أنه قال: «مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ جَعَلْتُهُ نَكَالاً»، «وَانْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ إِلَّا دَاوُدُ وَلَا يُعْبَأُ بِهِ فَإِنَّهُ لَوْلَا الخِلَافُ مَا عُرِفَ وَإِنَّمَا الأَمْرُ الصَّعْبُ خِلَافُ البُخَارِيِّ فِي ذَلِكَ، وَحُكْمُهُ أَنَّ الغُسْلَ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَأَجَلِّ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ مَعْرِفَةً وَعَدْلًا. وَمَا بِهَذِهِ المَسْأَلَةِ خَفَاءٌ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِيهَا ثُمَّ رَجَعُوا عَنْهَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الخِتَانَيْنِ». ثم قال: «وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ البُخَارِيِّ: " الغَسْلُ أَحْوَطُ " يَعْنِي فِي الدِّينِ مِنْ بَابِ حَدِيثَيْنِ تَعَارَضَا فَقَدَّمَ الذِي يَقْتَضِي الاحْتِيَاطَ فِي الدِّينِ وَهُوَ بَابٌ مَشْهُورٌ فِي أُصُولِ الفِقْهِ وَهُوَ الأَشْبَهُ فِي إِمَامَةِ الرَّجُلِ وَعِلْمِهِ» (١).

أما مسلم فقد ذهب إلى النسخ. ويستنبط ذلك من روايته لأحاديث «المَاءُ مِنَ المَاءِ» أولاً، ثم اتبعها بما رواه عَنْ أَبِي العَلاَءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْسَخُ حَدِيثُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنُ بَعْضُهُ بَعْضًا». ثم أعقب ذلك بما رواه عن أبي هريرة وغيره مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ [جَهَدَهَا]، فَقَدْ وَجَبَ [عَلَيْهِ] الغُسْلُ» و «[إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ] الخِتَانُ الخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ» (٢).


(١) " الترمذي بشرح ابن العربي ": ١/ ١٦٩، ١٧٠.
(٢) " صحيح مسلم ": ١/ ١٨٥، ١٨٧، دار الطباعة العامرة، ١٣٢٩ هـ.

<<  <   >  >>