وحقًا أن الأسود روى عن معاذ كما روى عنه أيضًا من تابعي الكوفة عمرو بن ميمون اليماني المتوفى سنة ٧٤ أو ٧٥ هـ (انظر " تذكرة الحفاظ ": ١/ ٦١)، ولكن هذا لا يعني أن معاذًا كان معلم مدرسة الكوفة أو أنه كان ذا أثر كبير في اتجاهها، لما يأتي: ١ - قصر فترة إقامة معاذ باليمن، فهي لا تعدو سنتين، وهذه فترة لا تكفي للتأثر في تابعي الكوفة على فرض لقائهم له في اليمن. ٢ - لا يلزم من ظاهرة انتشار اليمانية بالكوفة أنهم متأثرون بمعاذ، فاليمانية يُكَوِّنُونَ الكثرة في أقطار كثيرة منها مصر، حتى قال عبد العزيز بن مروان والي مصر مخاطبًا الخليفة: «كَيْفَ المُقَامَ بِبَلَدٍ لَيْسَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِي أَبِي؟» (انظر " الوُلاة والقُضاة " للكندي: ص ٤٧). ٣ - قَالَ ابْنُ المَدِينِيِّ: «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ أَصْحَابٌ حَفِظُوا عَنْهُ، وَقَامُوا بِقَوْلِهِ فِي الفِقْهِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ: زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ». (" سير أعلام النبلاء ": ٢/ ٣١٣). «وَيُقَرِّرُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ لَهُ أَصْحَابٌ مَعْرُوفُونَ حَرَّرُوا فُتْيَاهُ وَمَذَاهِبَهُ فِي الفِقْهِ غَيْرَ ابْنِ مَسْعُودٍ» (" إعلام الموقعين ": ١/ ٢٢). هَذَا يُبيِّنُ أنهم متأثرون بعبد الله بن مسعود، وَعَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: «كَانَ فِينَا سِتُّونَ شَيْخًا مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ». (" الطبقات " لابن سعد ج ٧ ص ٥). «وَلِذَلِكَ أَوْصَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ نَفْسُهُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ [الْأَوْدِيَّ] وَغَيْرَهُ أَنْ يَلْتَقُوا بِابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنْ يَطْلُبُوا العِلْمَ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ، أَحَدُهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ». (انظر " إعلام الموقعين ": ١/ ١٦، ١٧، ٢٨).