للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآخَرِ بِأَسْرِهِ».

ويذكر ابن حزم أمثلة لكل هذه الأنواع، وفيها بعض ما مثل به أحمد، مثل النهي عن الصلاة بعد العصر، مع الأمر بالصلاة المنسية وقت التذكر (١).

٣ - كراهية المحدثين للقياس وغضهم من شأنه وتحذيرهم من استعماله، وعدم التجائهم إليه إلا عند الضرورة، كل ذلك مهد للظاهرية أن ينكروا القياس جملة. بل الظاهرية يحتجون بأقوال المحدثين في إثبات مذهبهم، وقد رأينا أن ابن حنبل أرشد المستفتي إلى سؤال صاحب الحديث دون صاحب الرأي، وأنه فضل ضعيف الحديث على الرأي، وقد سلك ابن حزم هذا المسلك نفسه، فقال: «وَإِذَا قِيلَ لَهُ إِذَا سَأَلَ عَنْ أَعَلْمِ أَهْلِ بَلْدَةٍ بِالدِّينِ: هَذَا صَاحِبُ حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ -، وَهَذَا صَاحِبُ رَأْيٍ وَقِيَاسٍ، فَلْيَسْأَلْ صَاحِبَ الْحَدِيثِ، وَلَا يَحِلُ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الرَّأْيِ أَصْلًا ...».

ثم يروي عن الشعبي أنه قال: «السُنَّةُ لَمْ تُوضَعْ بِالمَقَايِيسِ»، ويروى عن ابن حنبل: «الحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ». ويروى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: «سَأَلْتُ أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لَا يَجِدُ فِيهِ إِلَّا صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ، وَأَصْحَابَ رَأْيٍ، فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ، فَمَنْ يَسْأَلُ؟ فَقَالَ أَبِي: " يَسْأَلُ صَاحِبَ الحَدِيثِ، وَلَا يَسْأَلُ صَاحِبَ الرَّأْيِ. ضَعِيفُ الحَدِيثِ أَقْوَمُ مِنْ رَأْيِ فُلاَنٍ "» (٢).

وقد سئل داود عن سبب إنكاره القياس، ومخالفته إمامه الشافعي في


(١) انظر " الإحكام ": ٣/ ٢١ وما بعدها.
(٢) " رسالة ابن حزم في مسائل الأصول "، ضمن " مجموع رسائل في أصول التفسير وأصول الفقه " جمعها جمال الدين القاسمي: ص ٤٦، طبع دمشق سنة ١٣٣١ هـ، وعلى " رسالة ابن حزم " تعليق للأمير الصنعاني.

<<  <   >  >>