للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك. فأجاب بِـ «أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ أَدِلَّةَ الشَّافِعِيِّ فِي إِنْكَارِ الاِسْتِحْسَانِ تَنْطَبِقُ عَلَى القِيَاسِ، فَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ».

ومن هذا نرى أن هجوم المحدثين على الرأي والقياس، كان من الأسباب القوية التي أدت إلى نشأة الظاهرية، بالإضافة إلى غلو بعض العلماء في القياس وإغراقهم فيه، وإعطائهم له قوة معارضة النصوص، مما نتج عنه رد فعل، بدأ بالهجوم على القياس وكبح جماحه، حتى لا يعدو قدره، وانتهى بإنكاره جملة، وعدم الاعتراف به كمصدر تشريعي، ونقد المستعملين له وتخطئتهم.

٤ - المحدثون هم الذين مهدوا لنشأة المذهب الظاهري في المغرب، على يد بقي بن مخلد وغيره، فقد كان المذهب المالكي هو المذهب السائد في الأندلس، لا يعرف أهلها شيئًا عن غيره، فلما رجع بقي بن مخلد من رحلته إلى المشرق، متأثرًا بالمحدثين، وبخاصة أحمد وإسحاق وداود - تعصب عليه علماء الأندلس، لإظهاره مذهب أهل الأثر، ولقد قال ابن حزم: «كَانَ بَقِيٌّ فِي خَاصَّةٍ مِنْ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَجَارِيًا فِي مِضْمَارِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالنِّسَائِيِّ» (١) ويقول ابن العربي: «وَكَانَ عِنْدَنَا فِي الأَنْدَلُسِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، رَجُلٌ رَحَلَ وَرَوَى الحَدِيثَ، وَعَادَ فَأَسْنَدَ، وَادَّعَى أَنَّهُ لَا قِيَاسَ وَلَا نَظَرَ» (٢).

الفَرْقُ بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ:

وإذا كان المحدثون يميلون إلى الأخذ بالظاهر، ويكرهون الرأي،


(١) " تذكرة الحفاظ ": ٣/ ١٨٤، ١٨٥، وانظر في المحدثين الذين مهدوا للفقه الظاهري الأندلسي مقدمة الكوثري لكتاب " النبذ "، لابن حزم؛ و" ابن حزم "، للأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة: ص ٢٦٨، ٢٧٤.
(٢) " سنن الترمذي بشرح ابن العربي ": ١٠/ ١١١، وقاسم بن أصبغ متوفى سنة ٣٤٠ هـ. وانظر ترجمته في " تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس ": ١/ ٤٠٦، ٤٠٨.

<<  <   >  >>