للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نص يصرفه عن ذلك، ولا عبرة بما يقال من أن الأمر بعد الحظر يكون للإباحة (١).

[ج] يجب ألا تؤول النصوص عن ظاهرها إلا بنص آخر صريح مخبر أن النص على غير ظاهره. «فَالثِّيَابُ» في قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤]، هي ثياب حقيقية مأمور بتطهيرها، لأنه لم يأت نص بصرفها عن ذلك، أما «الظُّلْمُ» في قوله تعالى: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢]، فقد جاء نص الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبين أن المراد به «الشِّرْكَ» كما في قوله سبحانه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣]، ويقوم مقام النص في ذلك - الضرورة المانعة من حمله على ظاهره، كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: ١٧٣] فبيقين الضرورة والمشاهدة، ندري أن جميع الناس لم يقولوا: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ» (٢).

[د] لا يحل القول بدليل الخطاب، لأنه مسكوت عنه ولا نص فيه، ودليل الخطاب هو الذي يعرف بمفهوم المخالفة، وهو ثبوت نقيض حكم المنطوق به لمسكوت عنه، ويقول عنه ابن حزم: «إِنَّ هَذَا المَذْهَبَ وَالقِيَاسَ ضِدَّانِ مُتَفَاسِدَانِ، لِأَنَّ القِيَاسَ هُوَ أَنْ يَحْكُمَ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِحُكْمِ المَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَكِلَا المَذْهَبَيْنِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُمَا [تَعَدِّي لِـ] (*) حُدُودِ اللَّهِ، وَتَقَدُّمٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنَّمَا الحَقُّ أَنْ تُؤْخَذَ الأَوَامِرُ كَمَا وَرَدَتْ، وَأَلَّا يُحْكَمَ لِمَا لَيْسَ فِيهَا بِمِثْلِ حُكْمِهَا، وَلَكِنْ يَطْلُبُ الحُكْمَ فِي ذَلِكَ مِنْ نَصٍّ آخَرَ، فَلَمْ يُفَرِّطْ اللَّهُ تَعَالَى فِي الكِتَابِ شَيْئًا، لِأَنَّ القِيَاسَ إِدْخَالُ المَسْكُوتِ عَنْهُ فِي حُكْمِ


(١) انظر ما سبق في الصفحتين السابقتين، وانظر " الإحكام ": ٣/ ٧٦، ٨٠، وبعض الأمثلة في ص ١٤٠ من نفس الجزء.
(٢) انظر " النبذ ": ص ٢٤، ٢٥ والآية الأولى هي ٤ من سورة المدثر، والثانية ٨٢ من سورة الأنعام، والثالثة ١٣ من سورة لقمان، والأخيرة ١٧٢ من سورة آل عمران.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) في الكتاب المطبوع (لأنهما تعدى حدود الله) والصواب ما أثبته، انظر " النبذ في أصول الفقه الظاهري "، للإمام ابن حزم، تحقيق محمد صبحي حسن حلاق، الطبعة الثانية: ١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م، ص ١١٢، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت - لبنان.

<<  <   >  >>