للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منصوص على معناه نصًا جليًا ضروريًا، وإن لم ينص على لفظه، لأن المسكر هي الخمر، والخمر هي المسكر، والخمر حرام، فالمسكر الذي هو هي حرام، فتحريم المسكرات من أنواع الخمور حتى ولو لم ينص عليها بالذات - ليس أخذًا بالقياس، وإنما هو تطبيق للنص، حيث إن النتائج مطويات في المقدمات.

ومن أنواع الدليل المأخوذ من النص أيضًا ما يعرف في الأصول بـ (تحقيق المناط) أي الاجتهاد في الفروع لمعرفة تحقق مناط الحكم أو عدم تحققه فيها، كالبحث في نبيذ الشعير، وهل هو مسكر فيلحق بعصير العنب، أو غير مسكر، فلا يلحق به، وكقوله تعالى: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (١). فإن كل من ينتهي يغفر الله له، وكالمثال الذي سبق أن ذكره ابن حزم، وهو أن يدعي زيد على عمرو بمال، فنقول: إن الله تعالى نص على إيجاب اليمين على عمرو، لأن النص قد جاء بإيجاب اليمين على من ادعى عليه، وعمرو مدعى عليه، فقد أوجب النص اليمين على عمرو.

ومن أنواعه أيضًا، أن يكون المعنى الذي يدل عليه اللفظ متضمنًا في ذاته نفى آخر، لا يمكن أن يتلاءم مع المعنى الذي اشتمل عليه اللفظ، كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} (٢) (*). فإنه يتضمن حتمًا أن إبراهيم ليس بسفيه، لأن السفيه لا يمكن أن يتلاءم مع معنى الحلم.

ولعل المثال الأخير الذي ذكره ابن عبد البر من أمثلة الدليل - من هذا النوع، فقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى


(١) [الأنفال: ٣٨].
(٢) [هود: ٧٥].

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) الآية التي استشهد بها المؤلف - حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى -: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: ١١٤]، والآية التي في سورة هود {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: ٧٥].

<<  <   >  >>