للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثل الاختلاف في زكاة حلي الذهب، فقد أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في الذهب قبل أن يصاغ حليًا، إذا بلغ المقدار السابق، ثم اختلفوا في سقوطها إذا صيغ، فاستصحبنا الحال التي أجمعنا عليها، ولم نسقط بالاختلاف ما قد وجب باليقين والإجماع (١).

فلا يؤثر تبدل الأزمان والأمكنة، ولا تغير أحوال المحكوم عليه - في الحكم الثابت بالنص أو بالإجماع، إلا إذا ورد نص أو إجماع يفيد تغير الحكم، أو بتغير المحكوم عليه بحيث يتبدل اسمه، فما دام الذهب هو الذهب قبل أن يصاغ وبعد أن يصاغ، فالحكم ما زال باقيًا، وهو وجوب الزكاة.

أما الإجماع على الترك، فهو أن يختلف الناس في مسألة ما على عدة أقوال ويجمعوا على ترك قول في الموضوع، كما اختلف الصحابة في ميراث الجد مع الإخوة وهل يرثون معه أو لا؟ فقال بعضهم: إنه كالأب عند فقده، وكما أن الأب يحجب الإخوة، فكذلك الجد يحجبهم فلا يرثون معه. وقال آخرون: إنه يكون معهم كأخ شقيق أو لأب، بشرط ألا يقل نصيبه عن الثلث، وقال فريق ثالث: إنه كالأخ إذا كان الإخوة ذكورًا، ويكون عصبة وحده إن كانوا إناثًا، بشرط ألا يقل عن السدس في الحالين.

وكل هذه الأقوال أجمعت على أن الجد يرث مع الإخوة، وأجمعت على ترك القول بعدم ميراثه معهم، فلا يحل لأحد أن يخالف هذا الإجماع باستحداث قول يحرم به الجد من الميراث مع الإخوة.

أما القسم الأخير من أقسام الدليل المأخوذ من الإجماع، وهو الإجماع على أن حكم المسلمين سواء، فهو قريب من القاعدة التي تقول:


(١) " الإحكام ": ٣/ ١٥٩.

<<  <   >  >>