للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خالف أبو حنيفة الجمهور في هذه المسألة، وسبب الخلاف وجود حديثين متعارضين، أحدهما خاص، يوجب الزكاة في ثمار الأرض إذا بلغت النصاب وهو خمسة أوسق، والوسق، ستون صَاعًا، وهو الحديث المذكور هنا. وثانيهما عام يوجب العشر أو نصف العشر في كثير ما أخرجت الأرض وقليله. وكلا الحديثين صحيح.

وقد رأى أبو حنيفة أن في الحديثين تعارضًا بين العام والخاص، ودلالة العام عنده قطعية كالخاص، وإذا تعارضا قدم الأحوط وهو الوجوب، وأيد ما ذهب إليه بالعموم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: ٢٦٧]، وقوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١].

أما الجمهور فلم ير تعارضًا بين الحديثين، بل أحدهم يخصص الآخر، أو يفسره. وقد روى البخاري حديث «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ»، ثم روى عقبه حديث «لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، ثم قال: «هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ [إِذَا] قَالَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ " وَيُؤْخَذُ أَبَدًا فِي العِلْمِ بِمَا زَادَ أَهْلُ الثَّبَتِ أَوْ بَيَّنُوا» (١).

فاختلاف وجهتي النظر في مختلف الحديث هو سبب الخلاف هنا.

٦ - حُكْمُ التَّصَدُّقِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ آثَارًا كَثِيرَةً تُفِيدُ أَنَّ الصَّدَقَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى آلِ الرَّسُولِ


(١) " البخاري ": ١/ ١٧٠؛ وانظر " الترمذي ": ٣/ ١٢٠، ١٢٢، ١٣٤، ١٣٥؛ و" أبا داود ": ٢/ ١٢٧، ١٤٥؛ و" النسائي ": ٥/ ٤٠، ٤٢؛ و" معاني الآثار ": ١/ ٣١٤، ٣١٦؛ و" بداية المجتهد ": ١/ ٢٤٢، ٢٤٣؛ و" فتح القدير ": ٢/ ٢، ٣؛ و" إعلام الموقعين ": ٢/ ٤٠٩.

<<  <   >  >>