للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبو حنيفة أن قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتَ وَمَالُك لأَبِيكَ» ليس على جهة التمليك، فكما أن الابن لا يصبح مملوكًا للأب فكذلك ماله، وإنما هو على جهة أن الابن لا ينبغي أن يخالف الأب، وأن يجعل أمر أبيه في ماله نافذًا. وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلَّنَّبِيِّ: «إِنَّمَا أَنَا وَمَالِي لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ». وبدليل أن جارية الابن ليست مباحة للأب (١).

٣ - حُكْمُ انْتِبَاذِ الخَلِيطَيْنِ:

وَبِسَنَدِهِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَالبُسْرُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا»، وفي بعض ألفاظه: «الزَّهْوُ وَالرُّطَبُ» أو «الزَّهْوُ وَالتَّمْرُ»، ثم قال:

- وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ».

ذكر ابن رشد أن سبب الخلاف هنا هو التردد في حمل النهي الوارد في الحديث على الحظر أو على الكراهة، وإذا حمل على الحظر فهل يؤدي في الحديث إلى فساد المنهي عنه أولاً؟. وقد ذهب أبو حنيفة إلى أن النهي على الكراهة، لسرعة التخمر المؤدي إلى الإسكار في هذه الأنبذة، كما ذكر النسائي. أو أن النهي منصب على الخلط، إذا كان يؤدي إلى الإسكار، كما ذهب البخاري.

ويلاحظ أن أبا حنيفة قد خالف الجمهور في عدم اعتباره للنبيذ خمرًا، وقصره إياها على عصير العنب إذا اشتد وقذف بالزبد وإباحة قليل ما يسكر كثيره، وقد عنى الطحاوي بعرض وجهة نظر أبي حنيفة وأيده (٢).


(١) انظر: " شرح معاني الآثار ": ٢/ ٢٨٩، ٢٩١.
(٢) انظر: " شرح معاني الآثار ": ٢/ ٣٢٩، ٤٢٢؛ و" البخاري ": ٣/ ٣٢٣ (بَابُ مَنْ رَأَى أَنْ لاَ يَخْلِطَ البُسْرَ وَالتَّمْرَ إِذَا كَانَ مُسْكِرًا، وَأَنْ لاَ يَجْعَلَ إِدَامَيْنِ فِي إِدَامٍ)؛ و" أبا داود ": ٣/ ٤٤٤، ٤٥٠؛ و" النسائي ": ٨/ ٢٨٦ وما بعدها؛ و" الترمذي ": ٨/ ٦٥؛ و" بداية المجتهد ": ٢/ ٣٨٣، ٣٨٥.

<<  <   >  >>