للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسبب الخلاف أن الحديث المتقدم روي بألفاظ مختلفة، يفيد بعضها التحريم، ويفيد بعضها الندب، فأخذ الجمهور بالندب لما يعضده من القياس، إذ صح للإنسان أن يهب كثيرًا من أمواله للأجنبي، فلولده أولى، ولما روي من أن أبا بكر فضل بعض ولده (١).

٨ - الجُلُوسُ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ:

وَبِسَنَدِهِ «أَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ أَنْ تُفْتَرَشَ»، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، «أَنَّهُ اسْتَعَارَ دَابَّةً [فَأُتِيَ بِهَا] عَلَيْهَا صُفَّةُ نُمُورٍ فَنَزَعَهَا ثُمَّ رَكِبَ».

وَعَنْ الحَكَمِ «تُكْرَهُ جُلُودُ السِّبَاعِ».

وَعَنْ عَلِيٍّ، «أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي جُلُودِ الثَّعَالِبِ».

وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِالجُلُوسِ عَلَيْهَا».

هذا النهي قد يكون دعوة إلى عدم الترفه، أو عدم التشبه بالعجم، فيحمل حينئذٍ على التنزيه، وبخاصة أنه قد روى من الأحاديث ما يفيد أن جلود الميتة تطهر بالدباغ. وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة. وقد يكون النهي تحريمًا للجلوس على جلود السباع إذا أخذ على ظاهره، وهو رأي ابن أبي شيبة وغيره. قال صاحب " المغني ": «فَأَمَّا جُلُودُ السِّبَاعِ فَقَالَ القَاضِي: " لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَا بَعْدَهُ ". وَبِذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ ... وَأَبَاحَ الحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، الصَّلَاةَ فِي جُلُودِ الثَّعَالِبِ» (٢).


(١) " شرح معاني الآثار ": ٢/ ٢٤٣، ٢٤٦؛ و" البخاري ": ٢/ ٥٦؛ و" النسائي ": ٦/ ٢٥٨، ٢٦٢؛ و" أبو داود ": ٣/ ٣٩٥، ٣٩٧؛ و" الترمذي ": ٦/ ١٢٦، ١٢٨؛ و" المحلى ": ٩/ ١٤٢، ١٤٩؛ و" بداية المجتهد ": ٢/ ٢٧٥: وَقَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَالبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى عَدَمِ إِجَازَةِ الِهبَةِ حَتَّى يُسَوَّى مَا بَيْنَ الأَوْلَادِ.
(٢) " المغني ": ١/ ٦٦ وما بعدها؛ و" المحلى ": ١/ ١٧١؛ و" البخاري ": ٣/ ٢١٤.

<<  <   >  >>