للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بدأ البخاري جزءه في رفع اليدين، بمقدمة أنكر فيها على مخالفه في هذه المسألة، مهاجمًا إياه بأسلوب حاد، ومتهمًا إياه بالبدعة، لمخالفته الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذي أمر اللهُ باتباعه وطاعته في آيات كثيرة:

فقد جاء في أول كتابه: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ... [أَخْبَرَنَا] الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبُخَارِيُّ قَالَ:

الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ رَفْعَ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، [وَأَبْهَمَ] عَلَى العَجَمِ فِي ذَلِكَ، تَكَلُّفًا لِمَا لَا يَعْنِيهِ فِيمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [مِنْ] فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ [وَمِنْ فِعْلِ أَصْحَابِهِ وَرِوَايَتِهِمْ] كَذَلِكَ، ثُمَّ فِعْلِ التَّابِعِينَ وَاقْتِدَاءِ السَّلَفِ بِهِمْ فِي صِحَّةِ الْأَخْبَارِ بَعْضِ الثِّقَةِ عَنِ الثِّقَةِ، مِنَ الْخَلَفِ العُدُولِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْجَزَ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ عَلَى ضَغِينَةِ صَدْرِهِ، وَحَرَجَةِ قَلْبِهِ، نِفَارًا عَنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [مُسْتَحِقًّا] لِمَا يَحْمِلُهُ [اسْتِكْبَارًا] وَعَدَاوَةً لِأَهْلِهَا، [لِشَوْبِ] البِدْعَةِ لَحْمَهُ وَعِظَامَهُ وَمُخَّهُ، [وَأُنْسَتِهِ بِاحْتِفَالِ] العَجَمِ حَوْلَهُ اغْتِرَارًا» (١) (*).

ونحن نستبعد أن يكون الكلام السابق موجهًا إلى أبي حنيفة أو واحد من أصحابه، ولعله كان يقصد به أحد معاصريه من المتمذهبين بالمذهب الحنفي وحيث ترفع المعاصرة، درجة حرارة المناقشة، وترهف من حدتها.

بعد هذا الهجوم الخاطف أخذ البخاري في سرد الآيات التي افترضت على المسلمين طاعة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]، وقوله سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠]. إلى غير ذلك من الآيات الكريمة. ثم شرع البخاري في مناقشة موضوعية لمسألة رفع اليدين في الصلاة.


(١) " قرة العينين ": ص ٢

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) انظر " قرة العينين برفع اليدين في الصلاة "، لأبي عبد الله البخاري (ت ٢٥٦ هـ)، تحقيق أحمد الشريف، ص ٥، الطبعة الأولى: ١٤٠٤ هـ - ١٩٨٣ م، نشر دار الأرقم للنشر والتوزيع - الكويت.

<<  <   >  >>