للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة، سواءً كان المقصود أمرًا جائزًا أو محرمًا.

ثم استعملت فيما هو أخص من هذا، وهو التوصل إلى الغرض الممنوع شرعًا، وهذا هو الغالب عليها في عرف الفقهاء.

وكما يذم الناس أرباب هذا النوع الأخير من الحيل، يذمون أيضًا العاجز الذي لا حيلة عنده، لعجزه وجهله بطرق تحصيل مصالحه. فالأول ماكر مخادع، والثاني عاجز مفرط، والممدوح غيرهما، وهو من له خبرة بطرق الخير والشر، خفيها وظاهرها، فيحسن التوصل إلى مقاصده المحمودة التي يحبها الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويعرف طرق الشر الظاهرة والخفية التي يتوصل بها إلى خداعه والمكر به، فيحترز منها ولا يفعلها ولا يدل عليها.

وهذه كانت حال سادات الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، فإنهم كانوا أبر الناس قلوبًا، وأعلم الخلق بطرق الشر ووجوه الخداع، وأتقى للهِ من أن يرتكبوا منها شيئًا أو يدخلوه في الدين. قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «لَسْتُ بِخِبٍّ، وَلَا يَخْدَعُنِي الخِبُّ». «وَكَانَ حُذَيْفَةُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالشَّرِّ وَالفِتَنِ، وَكَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الخَيْرِ وَكَانَ هُوَ يَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيهِ»، إذ القلب السليم ليس هو الجاهل بالشر، بل الذي يعرفه ولا يريده -، «وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَمَّى الحَرْبَ خُدْعَةً»، ولهذا كانت الحيلة بمعناها العام يمكن أن توصف بالأحكام الخمسة: الوجوب، والاستحباب والإباحة والكراهة والحرمة، باعتبار الوسيلة في الحيلة والغاية منها (١).

تَقْسِيمُ الشَّاطِبِيِّ:

وقد قسم الشاطبي (٢) الحيل ثلاثة أقسام: القسم الأول، لا خلاف في بطلانه، كحيل المرائين والمنافقين، فالنطق بالشهادتين والصلاة وغيرهما


(١) انظر " إعلام الموقعين ": ٣/ ١٩١، ١٩٢؛ و" فتح الباري ": ١٢/ ٢٨٩.
(٢) انظر " الموافقات "، طبع مصر: ٢/ ٢٦٨، ٢٧١.

<<  <   >  >>