للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الجَارِيَةُ لِلْغَاصِبِ، لِأَخْذِهِ القِيمَةَ. وَفِي هَذَا احْتِيَالٌ لِمَنِ اشْتَهَى جَارِيَةَ رَجُلٍ لاَ يَبِيعُهَا، فَغَصَبَهَا، وَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا مَاتَتْ، حَتَّى يَأْخُذَ رَبُّهَا قِيمَتَهَا، فَيَطِيبُ لِلْغَاصِبِ جَارِيَةَ غَيْرِهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ "، " وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ "».

ثم روى عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعًا: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ»، كما روى حديث: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [إِلَيَّ]، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».

خالف الأحناف الجمهور في هذه المسألة، محتجين بأن صاحب العين قد ملك لبدل بكماله - وهو القيمة - والمبدل في ملك شخص واحد.

أما الجمهور فذهب إلى وجوب رد العين المغصوبة إذا ظهرت، لأن الغصب عدوان محض، فلا يصلح سببًا للملك، وقد حرم الله مال المسلم إلا عن طيب نفسه، ولأن القيمة إنما وجبت بناء على صدق دعوى الغاصب أن الجارية ماتت، فلما تبين أنها لم تمت وجب أن تكون باقية على ملك المغصوب منه، لأنه لم يجر بين المالك والغاصب عقد صحيح يوجب الملك، فوجب أن ترد إلى صاحبها (١).

ومن الواضح أن الأحناف لم يقصدوا برأيهم هذا أن يكون حيلة لأخذ أموال الناس بالباطل، ولم ينتقدهم البخاري لذلك، ولكنه انتقدهم من أجل أن هذا القول ذريعة إلى أخذ أموال الناس بغير حق، ومركب ذلول يستعين به المختالون ممن خربت ذمتهم، وغفلت ضمائرهم. فالعدول عن هذا الرأي أولى بالمسلم، وسد هذا الباب فيه سلامة للمجتمع وصيانة له من عبث العابثين.


(١) انظر " الهداية ": ٤/ ١٤؛ و" فتح الباري ": ١٢/ ٢٩٩.

<<  <   >  >>