للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " الشُّفْعَةُ لِلْجِوَارِ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فَأَبْطَلَهُ، وَقَالَ: إِنِ اشْتَرَى دَارًا، فَخَافَ أَنْ يَأْخُذَ الجَارُ بِالشُّفْعَةِ، فَاشْتَرَى سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى البَاقِيَ، وَكَانَ لِلْجَارِ الشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ الأَوَّلِ، وَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي بَاقِي الدَّارِ، وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِي ذَلِكَ "».

وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ المَدِينَةِ وَجُمْلَةُ أَهْلِ الحَدِيثِ إِلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا لِلْشَّرِيكِ الذِي لَمْ يُقَاسِمْ. أَمَّا أَهْلُ العِرَاقِ - وَمِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ المُبَارَكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ - فَقَدْ أَوْجَبُوا الشُّفْعَةَ لِلْشَّرِيكِ الذِي لَمْ يُقَاسِمْ، ثُمَّ لِلْشَّرِيكِ المُقَاسِمِ إِذَا بَقِيَتْ فِي الطُّرُقِ أَوْ فِي الصَّحْنِ شَرِكَةٌ، ثُمَّ الجَارُ المُلَاصِقُ، يُقَدَّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِهَذَا التَّرْتِيبِ (١).

وانتقاد البخاري لأهل الرأي ليس لأنهم قد أوجبوا الشفعة للجار، ولكن لأنهم بعد أن أوجبوها له تحيلوا لإسقاطها، لأن المشتري إذا اشترى سهمًا شائعًا من مائة سهم أصبح شريكًا للمالك، وأصبحت له الأولوية في شراء باقي المائة، في الوقت الذي لن يطالب فيه أحد بالشفعة في السهم الواحد، لحقارته وقلة الانتفاع به.

والمعروف أن هذه الحيلة لأبي يوسف. أما محمد بن الحسن فكرهها أشد الكراهية، لأن الشفعة شرعت لدفع الضرر عن الشفيع، فالذي يحتال لإسقاطها بمنزلة القاصد إلى الإضرار بالغير.

أما الموضعان الثاني والثالث من مواضع الحيل في الشفعة، فقد ذكر البخاري فيهما صورتين استخدمت الهبة فيهما لإسقاط الشفعة، وذلك حيث يقول في الموضع الثاني: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: «[إِذَا] أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ


(١) انظر " شرح معاني الآثار ": ٢/ ٢٦٥، ٢٦٩؛ و" شرح ابن العربي على الترمذي ": ٦/ ١٢٨، ١٣٣؛ و" بداية المجتهد ": ٢/ ٢١٤، ٢١٥؛ و" الهداية ": ٤/ ١٨ وما بعدها.

<<  <   >  >>