للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن أصدق تقسيم يمكن أن ينطبق على العلماء في القرن الثالث الهجري وهو القرن الذي نُعْنَى بِهِ في دراستنا هذه، هو الذي يقسمهم إلى ثلاثة أقسام:

[أ] أهل حديث. [ب] وأهل رأي. [ج] وأهل ظاهر.

على أن يدخل في مفهوم أهل الرأي المالكية، والشافعية، والحنفية، والحنبلية بعد وفاة أحمد بن حنبل. أما أهل الحديث فهم: أحمد، وإسحاق بن راهويه، وأصحاب الكتب الستة وغيرهم من المشتغلين برواية الحديث في هذا القرن.

وقد أحسن الأستاذ الخضري - رَحِمَهُ اللهُ - في التعريف بأهل الحديث وأهل الرأي، ووصفهم بما ينطبق مع فهمنا الذي قدمناه، وذلك حيث قال: «أَهْلُ الحَدِيثِ قِبْلَتُهُمْ السُّنَّةُ بِاعْتِبَارِهَا مُكَمِّلاً لِلْقُرْآنِ، وَبِاعْتِبَارِهَا نُصُوصًا تُعُبِّدَ بِهَا الشَّارِعُ الإِسْلَامِيُّ مَنْ دَانَ بِالإِسْلَامِ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى عِلَلٍ رَاعَاهَا فِي تَشْرِيعِهِ، وَلَا أُصُولَ عَامَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا المُجْتَهِدُ، وَلَا أُصُولَ خَاصَّةً بِالأَبْوَابِ المُخْتَلِفَةِ، فَهُوَ المُتَشَرِّعُونَ الحِرَفِيُّونَ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَرَاهُمْ إِذَا لَمْ يَجِدُوا نَصًّا فِي المَسْأَلَةِ سَكَتُوا وَلَمْ يُفْتُوا.

أَمَّا أَهْلُ الرَّأْيِ وَالقِيَاسِ فَإِنَّهُمْ رَأَوْا الشَّرِيعَةَ مَعْقُولَةَ المَعْنَى، رَأَوْا أُصُولاً عَامَّةً نَطَقَ بِهَا القُرْآنُ الكَرِيمُ وَأَيَّدَتْهَا السُّنَّةُ، وَرَأْوا كَذَلِكَ لِكُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الفِقْهِ أُصُولاً أَخَذُوهَا مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَرَدُّوا إِلَيْهَا جَمِيعَ المَسَائِلِ التِي تُعْرَضُ مِنْ هَذَا البَابِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصٌّ، وَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السُّنَّةِ كَالأَوَّلِينَ مَتَى وَثِقُوا مِنْ صِحَّتِهَا» (١).


(١) " تاريخ التشريع ": ص ١٩٧.

<<  <   >  >>