للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حجة، وقيل: يقدح مخالفه الاثنين فما فوق دون الواحد، وقيل غير ذلك (١).

حديث "إذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم"

استشهد بهذا الحديث من يقول إن اتفاق الأكثر حجة يجب المصير إليه وأوردوه في كتبهم ونوزع في دلالته وفي إسناده، وأنا أذكر أصل الحديث وما قيل فيه، وما جاء في معناه من الأحاديث والآثار.

أخرج أحمد في مسنده وابن ماجه وصححه السيوطي في الجامع الصغير عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أمتي لا تجتمع على ضلالٍ فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم" (٢).

قال الإِمام المناوي -رحمه الله-: أي فعليكم بالسواد الأعظم من أهل الإِسلام أي الزموا متابعة جماهير المسلمين، فهو الحق الواجب، والفرض الثابت الذي لا يجوز خلافه، فمن خالف مات ميتهً جاهليةً .. اهـ.

وأخرج أحمد في مسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه خطب الناس بالجابية فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فينا بمقامي فيكم فقال:

"أكرموا أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب حتى إن الرجل ليحلف ولا يستحلف ويشهد ولا يستشهد، ألا فمن سَرَّهُ بَحْبَحَةُ الجنة فليلزم الجماعة، فإنَّ الشيطان مع الفذ، وهو من الاثنين أبعد، ولا يخلون رجل بامرأةٍ فإن الشيطان ثالثهما، ومن سرَّته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن".

استدل به الشافعي -رحمه الله- على حجيَّة الإجماع (٣). قلت: ولو استدل به على حجية قول الجمهور لم يكن بعيدًا بل قد يكون قويًّا؛ لأن الجماعة المعنية بالحديث ليست الكل، وإنما الأكثر والأغلب والسواد الأعظم دلَّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وهو من الاثنين أبعد" إلا أن هذا الحديث وشبهه محلُّهُ في أصول الدين والشرائع لا في الفروع، وقد بينَّت هذا أشد توضيح في كتابي "القانون في عقائد الفرق الإِسلامية" والله الموفق لا رب سواه.


(١) انظر في هذه المسألة إرشاد الفحول ص ٨٩ شرح مراقي السعود للشنقيطي في ج ٢ ص٧٩ روضة الناظر لابن قدامة ص ٧١.
(٢) انظر الجامع الصغير وشرحه فيض القدير في ج ٢ ص ١٣٠٢ رقم (٣٩٥٠).
(٣) انظر مسند أحمد ج ٢٢ ص ١٦٨ وانظر الرسالة للشافعي ص ٤٧٣، ٤٧٤ وانظر تخريج أحمد شاكر للرسالة ص ٤٧٥

<<  <  ج: ص:  >  >>