للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال صاحب «منار القاري»:

والمعنى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبه الجليس الصالح في دينه وخلقه بمن يحمل معه مسكًا، وشبه جليس السوء بمن ينفخ كيرًا، وهو آلة من الجلد ينفخ بها الحداد على النار، ثم بين وجه الشبه في قوله: «فحامل المسك إمّا أن يحذيك» أي: فإذا جلست إلى حامل المسك لا بد أن تنتفع منه؛ لأنه إما أن يهديك من الطيب الذي معه، «وإما أن تبتاع منه» أي: تشترى منه مسكًا، وإما أن تجد منه -أى: تشم منه- رائحة طيبة، وكذلك الجليس الصالح إما أن يفيدك بعلمه أو بنصحه وتوجيهه، أو حسن سلوكه بالاقتداء به، «ونافخ الكير» إذا صحبته لا بد أن يؤذيك فهو «إما أن يحرق ثيابك» من الشرر المتطاير، «وإمّا أن تجد منه ريحًا خبيثة» من الدخان الذي يتصاعد من ناره فتشمّ منه رائحة كريهة تخنق أنفاسك، كذلك جليس السوء إما أن يغريك بالسيئة أو تقتدي بسلوكه السيء فتنحرف عن سواء السبيل.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي:

أولاً: الترغيب في مجالسة أهل الفضل؛ لأنهم يسعد بهم جليسهم، فإن كانوا علماء استفاد منهم علمًا، وإن كانوا صلحاء استفاد منهم صلاحًا، وإن كانوا أبطالاً استفاد منهم شجاعة؛ لأن الأخلاق والمواهب والعلوم والمعارف والمهارات والآداب تتلاقح ويتأثر بعضها ببعض.

ثانيًا: دل هذا الحديث على التحذير الشديد من جلساء السوء؛ لأنهم شر على من يجالسهم، وربما قصدوا أن ينفعوه فيضروه من حيث لا يشعرون.

ثالثًا: قال العيني: في الحديث دليل على طهارة المسك، وروينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بسند جيد أنه كان له مسك يتطيب به، وعلى هذا جمهور العلماء، وقد كرهه جماعة، منهم عمر - رضي الله عنه -، وقال: لا تحنطوني به، وكذا عمر بن عبد العزيز إلّا أن هذا الخلاف قد انقرض واستقر الإجماع على طهارته، وجواز استعماله.

<<  <   >  >>