للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث القدسي: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ...» (١)، وكذلك لا يرضى هذا العبد أن يقتصر على اجتناب المحرمات، بل يتعدَّى ذلك فيجتنب المكروهات (٢).

وقال سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام -رحمه الله-: «ويستدل على الْأَحْكَام تَارَة بالصيغة، وَتارَة بالأخبار، وَتارَة بِمَا رتب عَلَيْهَا فِي العاجل والآجل من خير أَو شَرّ أَو ضر.

وَقد نوع الشَّارِع ذَلِك أنواعًا كَثِيرَة؛ ترغيبًا لِعِبَادِهِ، وترهيبًا، وتقريبًا إِلَى أفهامهم، فَتَارَة يرغب فِي الْفِعْل يمدحه أَو يمدح فَاعله، أَو بِمَا رتبه على الْفِعْل من خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَتارَة يحذر من الْفِعْل بِذِمَّة أَو ذمّ فَاعله، أَو توعده على الْفِعْل بشر عَاجل أَو آجل، وكل ذَلِك رَاجع إِلَى الْمَنَافِع والمضار.

لَكِن ذكر أَنْوَاع الْمَنَافِع والمضار؛ ليعلم عباده مَا هم صائرون إِلَيْهِ من أَنْوَاع بره وإنعامه، أَو من أَنْوَاع تعذيبه وانتقامه، فَإِنَّهُ لَو اقْتصر على ذَلِك النَّفْع والضر لما أنبأ عَمَّا ينبىء عَنهُ لفظ الْمحبَّة والبغض، وَلَفظ الرِّضَا والسخط والتقريب والإبعاد والشقاوة والإسعاد، فَإِن اللَّذَّة والألم تَتَفَاوَت بِهَذِهِ الْأَسْبَاب تَفَاوتًا شَدِيدًا، ولهذه الْأَوْصَاف آثَار لَا يخفى تفاوتها على أحد فَلذَلِك عول إِلَيْهَا؛ ليقف عباده على درجاتهم ودركاتهم من عَالم خفياتهم، فسبحان من رتب خير الدَّاريْنِ على مَعْرفَته وطاعته، وَشر الدَّاريْنِ على معصيتة ومخالفته {((((لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ ((((((((((((((} [الأعراف:٥٤] (٣).


(١) أخرجه البخاري (٦٥٠٢)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٦٣٩٥).
(٢) انظر: المهذب في علم أصول الفقه المقارن، د/ عبد الكريم النملة (١/ ١٤١).
(٣) انظر: الإمام في بيان أدلة الأحكام لعز الدين بن عبد السلام (٨٠، ٨١).

<<  <   >  >>