للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله-: ففي هذا الحديث أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمبالغة في الاستنشاق في الوضوء للصلاة في حال الإفطار، وبالنهي عن ذلك في حال الصيام، فدل ذلك أن المبالغة التي أمر بها في حال الإفطار كانت على الاختيار, لا على الفرض؛ لأنها لو كانت على الفرض لم يرفعها الصيام، وكان في نهيه عنها في حال الصيام ما قد دل على أنها تفسد الصيام بدخول الماء بها من الموضع الذي بلغ بها إليه، مما يكون سببًا إلى وصولها إلى حلق المستعمل لها؛ فيكون ذلك مفسدًا عليه صيامه (١).

وقال الخطيب الشربيني -رحمه الله-: وأما الصائم فلا يسن له المبالغة بل تكره؛ لخوف الإفطار كما في «المجموع». وقال الماوردي والصيمري: يبالغ في المضمضة دون الاستنشاق؛ لأن المتمضمض متمكن من رد الماء عن وصوله إلى جوفه بطبق حلقه، ولا يمكن دفعه بالخيشوم.

فإن قيل: لم لم يحرم ذلك كما قالوا بتحريم القبلة إذا خشي الإنزال، مع أن العلة في كل منهما خوف الفساد، ولذا سوى القاضي أبو الطيب بينهما فجزم بتحريم المبالغة أيضًا؟.

أجيب: بأن القُبلة غير مطلوبة بل داعية لما يضاد الصوم من الإنزال، بخلاف المبالغة فيما ذكر، وبأنه هنا يمكنه إطباق الحلق ومج الماء، وهناك لا يمكنه رد المني إذا خرج؛ لأنه ماء دافق، وبأنه ربما كان في القُبلة إفساد لعبادة إثنين.

قلت: الأظهر تفضيل الجمع بين المضمضة والاستنشاق على الفصل بينهما؛ لصحة الأحاديث الصريحة في ذلك، ولم يثبت في الفصل شيء، كما قاله ابن الصلاح والمصنف في «المجموع» (٢).


(١) انظر: شرح مشكل الآثار لأبو جعفر الطحاوي (١٤/ ٣١).
(٢) انظر: مغني المحتاج للخطيب الشربيني (١/ ١٨٨).

<<  <   >  >>