للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الإمام الماوردي -رحمه الله-: من أراد المضمضة والاستنشاق في صومه، فالأولى له أن يرفق ولا يبالغ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر لقيطًا بذلك، فإن تمضمض واستنشق فوصل الماء إلى رأسه أو جوفه فله ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يكون ناسيًا لصومه: فلا شيء عليه وهو على صومه كالآكل ناسيًا.

والثاني: أن يكون ذاكرًا لصومه قاصدًا لإيصال الماء إلى جوفه أو رأسه: فهذا يفطر، وعليه القضاء كالآكل عامدًا.

والحال الثانية: أن يكون ذاكرًا لصومه غير قاصد إلى إيصال الماء إلى جوفه، وإنما سبقه الماء وغلبه فهذا على ضربين:

أحدهما: أن يكون قد بالغ في الاستنشاق، والثاني: لم يبالغ.

فإن بالغ: فقد أفطر ولزمه القضاء؛ لأن ذلك حادث عن سبب مكروه كالإنزال إذا حدث عن القبلة، وكان بعض أصحابنا البغداديين لا يفرق بين المبالغة وغيرها، وليس يصح لما ذكرنا.

فإن لم يبالغ فيه فقولان:

أحدهما: قد أفطر ولزمه القضاء، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأكثر الفقهاء، واختاره المزني.

ووجهه: ما روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قبلة الصائم فقال: «أرأيت لو تمضمضت»، فشبه القبلة بالمضمضة، ثم كانت القبلة مع الإنزال تفطر، فكذلك المضمضمة مع الازدراد؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في الاستنشاق: «إلا أن تكون صائما فترفق» خوفًا من إفطاره بوصول الماء إلى رأسه؛ ولأن الأسباب الحادثة عن الأفعال تجري مجرى المباشرة لها في الحكم، كالجنابة يجب القود فيها بالمباشرة والسراية، فكذلك المضمضة والاستنشاق يجب أن يستوي حكم السبب فيهما والمباشرة، ولا ذكره المزني عن قياسه، على الأكل شاكًا في الفجر.

والقول الثاني: نص عليه في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى: أنه على صومه، وبه قال الحسن وأحمد وإسحاق وأبو ثور.

<<  <   >  >>