للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن بطال في «شرح صحيح البخاري»:

«قال المهلب: وفيه بركة مجالسة الصالحين، وأن فيها تذكار لفعل الخير، وتنبيهًا على الازدياد من العمل الصالح؛ ولذلك أمر - عليه السلام - بمجالسة العلماء، ولزوم حلق الذكر، وشبه الجليس الصالح بالعطار إن لم يصبك من متاعه لم تعدم طيب ريحه، ألا ترى قول لقمان لابنه: «يا بنى جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيى القلوب بنور الحكمة، كما يحيى الأرض الميتة بوابل السماء»، وقال مرة أخرى: «فلعل أن تصيبهم رحمة فتنالك معهم»، فهذه ثمرة مجالسة أهل الفضل ولقائهم، وفيه: بركة أعمال الخير، وأن بعضها يفتح بعضًا، ويعين على بعض، ألا ترى أن بركة الصيام، ولقاء جبريل وعرضه القرآن عليه زاد فى وجود النبى - عليه السلام - وصدقته حتى كان أجود من الريح المرسله (١).

وقال صاحب «منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري»:

قوله: «كان رسول الله أجود الناس» أي: أعظم الناس وأكثرهم جودًا على الإطلاق؛ لأن جوده - صلى الله عليه وسلم - كان خلقيًا وشرعيًا معًا.

فأمّا جوده الخلقي: فهو السخاء، وسهولة الانفاق الناشيء عن الطبع والوراثة، وأما جوده الشرعي: فهو كما يقولون: «إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي خالصاً لوجه الله تعالى دون رياء أو سمعة سواء كان هذا العطاء واجباً كالزكاة، أو مندوباً كالصدقة»، وقد جمع الله تعالى في نبينا - صلى الله عليه وسلم - بين كرم الطبع الموروث عن أسرته الهاشمية العريقة، وكرم الشرع الذي أدّبه به ربه، فأحسن تأديبه، وقد وصفه أنس - رضي الله عنه - بقوله: «كان أجود الناس، وكان أشجع الناس، فلو كانت الدنيا له فأنفقها لرأى على نفسه بعد ذلك خوفًا».

«وكان أجود ما يكون فى رمضان» أي: وكان يتضاعف جوده في هذا الشهر الكريم، فيتصف بأكثر الجود في رمضان.


(١) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (٤/ ٢٢).

<<  <   >  >>