للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودل هذا الحديث على ما يأتي:

أولاً: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخصُّ العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في غيرها، منها: إحياء الليل، وإيقاظ الأهل، واعتزال النساء.

ثانيًا: استحباب الاجتهاد في العبادة وإحياء الليل وايقاظ الأهل في هذه العشر اقتداءً به - صلى الله عليه وسلم -.

وعن الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» (١).

قال صاحب مرقاة المفاتيح:

أي: يبالغ في طلب ليلة القدر فيها، كذا قيل، والأظهر: أنه يجتهد في زيادة الطاعة والعبادة «ما لا يجتهد في غيره» أي: في غير العشر؛ رجاء أن يكون ليلة القدر فيه، أو للاغتنام في أوقاته والاهتمام في طاعته وحسن الاختتام في بركاته (٢).

وقيل: كان يجتهد في العشر لمعنيين، أحدهما: لرجاء ليلة القدر، والثاني: لأنه آخر العمل، وينبغي أن يحرص على تجويد الخاتمة (٣).

قال ابن بطال -رحمه الله-:

إنما فعل ذلك عليه السلام؛ لأنه أخبر أن ليلة القدر فى العشر الأواخر، فَسَنَّ لأمته الأخذ بالأحوط فى طلبها فى العشر كله لئلا تفوت؛ إذ يمكن أن يكون الشهر ناقصًا وأن يكون كاملاً، فمن أحيا ليال العشر كلها لم يفته منها شفع ولا وتر، ولو أعلم الله عباده أن فى ليالى السنة كلها مثل هذه الليلة لوجب عليهم أن يحيوا الليالى كلها فى طلبها، فذلك يسير فى جنب


(١) أخرجه مسلم (١١٧٥)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٢٢١٥).
(٢) انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للقاري (٤/ ١٤٤١).
(٣) انظر: شرح سنن أبي داود للعيني (٥/ ٢٨٠).

<<  <   >  >>