للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق أن الصَّرف إلى الإمام أولى؛ لأنه أعرف بأهل السّهمان وأقدر على التفرقة بينهم؛ ولأنه إذا فرق الإمام كان على يقين من سقوط الفرض، بخلاف ما لو فرق بنفسه لجواز أن يسلم إلى مَنْ ليس بصفة الاستحقاق، وهو يظنه بصفة الاستحقاق.

والثَّاني: أن الأولى أن يفرقها بنفسه؛ لأنه يفعل نفسه أوثق، ولينال أجر التفريق وليخص به أقاربه وجيرانه، وهذا الوجه هو المذكور في "التَّهذيب" و"العدة"، ومن قال به تعلق بقوله في "المختصر"، "وأحب أن يتولى الرجل قسمتها بنفسه، ليكون على يقين من أداءها عنه" والأول هو الأظهر عند أكثر الأئمة من العراقيين وغيرهم، ولم يذكر الصَّيْدلاني غيره، وحملوا قول الشافعي -رضي الله عنه- على أنه أولى من التَّوْكيل، ومنهم من قال: أراد به في الأموال غير الظاهرة.

وأما في الأموال الظاهرة فالأولى الصَّرف إلى الإمام ليخرج عن شبهة الخِلاف، ومنهم من أطلق الخلاف من غير فرق بين الأموال الباطنة والظاهرة، وهكذا فعل صاحب الكتاب في قسم الصدقات، وعبر عن هذا الخلاف بالقولين على خلاف المشهور، ورأيت المُحَاملي صرح في القولين والوجهين بطرد الخلاف، فليكن قوله: "والصرف إلى الإمام في الأموال الظاهرة أولى" معلماً بالواو، وحيث قلنا: الصرف إلى الإمام أولى، فذلك إذا كان الإمام عادلاً فإن كان جائراً فوجهان:

أحدهما: أنه كالعادل، ويحكى ذلك عن صاحب "الإفصاح" لما روي أن سعد بن أبي وقاص، وأبا هريرة وأبا سعيد -رضي الله عنهم- سُئلوا عن الصَّرف إلى الولاة الجائرين فأمروا به (١).

وأصحهما: وهو الذي ذكره في الكتاب في قسم الصدقات: أن التَّفريق بنفسه أولى من الصرف إليه، لظهور جَوْره وخِيَانته، بل حكى الحَنَّاطي وجهاً أنه لا يجوز الصرف إلى الجائر فضلاً عن الأفضلية (٢) -والله أعلم-.

قال الغزالي: وَتَجِبُ نِيَّةُ الزَّكَاةِ بِالقَلْبِ (ح) فَيَنْوِي الزَّكَاةُ المَفْرُوضَةَ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّض لِلْفَرْضِ فَوَجْهَانِ، وَلاَ يَلْزَمُ تَعْيِينُ المَالِ، فَإنْ قَالَ: عَنْ مَالِي الغَائِبِ وَكَانَ تَالِفاً لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الحَاضِرِ، وَلَوْ قَالَ: عنِ الغَائِبِ، فَإِنْ كَانَ تَالِفاَ فَعَنِ الحَاضِرِ أَوْ هوَ صدَقَةٌ جَازَ لِأَنَّهُ مُقْتَضى الإِطْلاَقِ.


(١) أخرجه سعيد بن منصور. انظر التلخيص (٢/ ١٦٤).
(٢) والدفع إلى الإمام أفضل من الوكيل قطعاً، صرح به صاحب "الحاوي" ووجهه ما تقدم. ووجهه ما تقدم مراده إذا كان الإمام عادلاً، ويدل عليه. نقل ذلك عن الحاوى وصاحب الحاوى يمنع الصرف إلى الجائز فضلاً عن أفضليته.

<<  <  ج: ص:  >  >>