للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما إذا كانت متجاورة وأثبتنا خلطة الجوار فيزكون زكاة الخلطة كما قبل القسمة، وإن اقتسموا بعد بدو الصلاح زكوا زكاة الخلطة؛ لأنهم كانوا شركاء حالة الوجوب وهي بدو الصلاح، وبدُوّ الصلاح في الثمار كمضيّ الحول كله في المَواشي وهاهنا كلامان:

أحدهما: اعترض المزني، وقال: القسمة بيع، وبيع الربويات بعضها ببعض جُزَافاً لا يجوز، وبيع الرطب بالرطب على رُؤُوس النّخل بيع جُزَاف وأيضاً فبيع الرُّطَب بالرُّطَب لا يجوز عند الشَّافعي -رضي الله عنه- بحال ولا يندفع هذا الإشكال بأن يقال: الرطب لم يتمحّض عوضاً في واحد من الجَانِبَيْن، بل الجذْع يدخل في القسمة، لأن عند الشافعي -رضي الله عنه- لا يجوز بيع الرَّبَوي وشيء آخر بذلك الرَّبوي وشيء آخر، وأجاب الأصحاب بوجهين:

أحدهما: قالوا: الأمر على ما ذكرت إنْ فرعنا على أن القسمة بيع لكن له قول آخر: وهو أَنَّ القسمة إفراز حق، وعلى ذلك القول أجاب هاهنا.

والثَّاني: أنا وإن قلنا: إن القسمة بيع فيتصور فرض القسمة هاهنا من وجوه:

منها: أن تكون بعض النخيل مثمرة وبعضها غير مثمرة، فيجعل هذا سهماً وذاك سهماً ويقسم قسمة تَعْدِيل، فيكون بيع النَّخْل والرطب بمحض النخل وأنه جائز:

ومنها: أن تكون التركة نخلتين والوارث شخصين، فيشتري أحدهما نصيب صاحب من إحدى النخلتين جذعاً ورطباً بعشرة، ويبيع نصيب نفسه من صاحبه من النَّخْلة الأخرى جذعاً ورطباً بعشرة، ويتقاضان الدراهم قال الأئمة: ولا تحتاج إلى شرط القطع، وإن كانت الصفقتان قبل بدوِّ الصَّلاح؛ لأن المبيع جزء شائع من الثمرة والشجرة معاً فصار كما لو باع كلهما صفقة واحدة، وإنما تحتاج إلى شرط القطع حينئذ عند إفراد الثمرة بالبيع، ومنها أن يبيع كل واحد منهما نصيبه من ثمرة إحدى النخلتين نصيب صاحبه في جذعها فيجوز بعد بدوّ الصَّلاحَ ولا يلزم الرِّبَا وقبل بدو الصَّلاحَ لا يجوز إلا بِشَرْط القَطْع؛ لأنه بيع ثمرة تكون للمشتري على جذع البائع، ذكره صاحب "الشَّامل" وغيره، وقد حكى القاضي ابن كج عن بعض الأصحاب أن قسمة الثمار بالخَرْص جائزة على أحد القولين، والذي ذكره هاهنا جواب على ذلك القول، ولك أن تقول: هذا لو دفع إنما يدفع إشكال البيع جزافاً، فلا يدفع إشكال منع بيع الرطب بالرطب.

الكلام الثاني: قال أصحابنا العراقيون: تجوز القسمة قبل إخراج الزكاة بناء على أن الزكاة في الذمة، أما إذا قلنا: إنها تتعلق بالعَيْن فلا تصح القِسْمة.

واعلم أنه يمكن تصحيح القسمة مع التفريع على قول الْعَيْن بأن يخرص الثِّمَار عليهم ويضمنوا حق المساكين فلهم التَّصرف بعد ذلك، وأيضاً فإنَّا حكينا في البيع قَوْلَين

<<  <  ج: ص:  >  >>