للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: الحُرِّية، وفيه صُوَر:

منها: لا يجب على الرَّقيق فِطْرة نفسه، ولا فطرة زَوْجَتِهِ؛ لأنه لا يَمْلِك شَيْئاً، فَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيْد مالاً فقد ذَكَرْنَاه، وإن ملَّكه عَبْداً، وقلنا إِنَّهُ يَمْلك سَقَطَتْ فِطْرَتُهُ عَنِ السَّيِّدِ، لَزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ، ولم تَجِب عَلَى المتملك لضَعْفِ ملكه.

ومنها: هَلْ تَجِبَ عَلَى المُكَاتَبِ فِطْرَة نفسه؟

المشهور: أنها لاَ تَجِب، كما لا تجب عَلَيْهِ زَكاة مَالِهِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ.

وقيل: إِنَّهَا تَجِب عَلَيْهِ فِي كَسْبِهِ، كنفقته؛ وبه قال أحمد، وهذا الاختلاف على ما ذكره الإمام. قولان:

الأول: منهما منصوص.

والثاني: مُخَرَّجٌ، ذَكَرَه ابْنُ سُرَيْجٍ، وعلى ما رواه في "التهذيب" وَجْهَان وأَطْلَقَهُمَا الصَّيْدَلاَنِيُّ قولين من غير التَعَرُّض لِلنَّصَ والتخريج، والأَمْرُ فيهِ سَهْلٌ.

وإذا قلنا: بالمشهور، وهو أنه لا فِطْرَة عليه، فَهَلْ هِيَ عَلَى سَيِّدِهِ.

والظَّاهِرِ: أَنَّهَا لَيْسَت عَلَيْه؛ لسقوط نفقته عنه، ونزوله مع السَّيِّد منزلة الأَجْنَبِي، ألا ترى أنه يبيع منه وَيشْتَرِي. وروى أبو ثور عن القديم أنها تَجب على السَّيد؛ لأنه عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وأنكر الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ أن يكون هذا قولاً للشَّافعي -رضي الله عنه- وقال: إنه مذهب أَبِي ثَوْرٍ نفسه. والخلاف في أن المكاتب هل عليه فطرة نفسه؟ يجري في أَنَّه هل عليه فِطْرة زوجته وعبيده بلا فرق.

واعلم: أن قوله فيِ الكتاب: (ولا زَكَاة على رَقِيقِ، ولا مُكَاتَب في نفسه، وزوجته) الكلام في الرَّقيق قَدْ صَارَ مذكوراً مَرَّة في المسألة السَّابِقَة، وإنما كَرَّره؛ لأَنَّهُ احتاج إلَى إدراجه في صُوَرِ الاستثناء أولاً، وإلى التَعَرُّضِ لَهُ فِي صِفَاتِ المُؤَدي ثَانِياً.

وقوله: (وقيل: نجب عليه) أي: على السيد وهو القول الذي حَكَاه أَبُو ثَوْرٍ.

ومنها: حكم الْمُسْتَولَدَةِ، والمُدَبَّرِ حُكْمُ القِنِّ على ما سبق.

والكلام فيمن نِصْفُه حر قد ذكره مرة، وإنما أعاده هاهنا ليبين أن الحرية التي اعتبرها ليست حرية للكل، وإنَّما هي الحرية يحسب القدر المؤدي من الفطرة.

قال الغزالي: وَالمُعْسِرُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَفْضُل عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَبْدِهِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ وَدِسْتِ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ صَاعٌ مِنَ الطَّعَامِ فَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ الهِلاَلِ لَمْ يَتَجَدَّدِ الوُجُوبُ بِخِلاَفِ الكَفَّارَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>