للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: الفرق بين الرَّاتِبِ وَغَيْرهِ، قاله صاحب "التهذيب" وغيره: وهو الأَصَح.

وقوله: (ولو أذن على المنارة) التصوير في التأذين ينبه على أن الخروج إِلَيْهَا، وهي خارجةٌ عن المَسْجِدِ لغير الأَذَان لا يجوز بحال، لكنها إذا كَانت في المَسْجِدِ فلا فرق بين أن يَصْعَدَهَا للأذان أو غيره.

وقوله: (وإن كان بابها خارج المسجد، وهي ملتصقة بِحَرِيم المسجد ففيه ثلاثة أوجه) يشعر بتقييد الخلاف بما إذا كانت مُلْتَصِقَةً بِحَرِيمِ المَسْجِد، وفنَائِهِ، لكن الأكثرين لم يَشْتَرِطوا في صُورَةِ الخِلاَفِ سِوَى أن يكون بَابُها خَارجَ المَسْجِدِ كما قدمناه وزاد أبو القاسم الكَرَخِي فنقل الخلاف فيما إذا كانت في رحبة منفصلة عن المَسْجِد بينها وبين المسجد طريق. واعلم: أنه لو اقتصر في الضابط المذكور على الخروج عن المسجد، وحذف لفظتي "الكل" لكان الغرض حَاصِلاً، فإن من أخرج بَعْضَ بدنه لا يسمى خَارجاً، ألا ترى أنه لو حلف أن لا يخرج من الدَّار فأخرج رأسه أو رجليه غير معتمد عليهما لَمْ يحنث، وكذا لا يقال: خرج من المسجد إلا إذا انفصل عن كله.

قال الغزالي: وَأَمَّا العُذْرُ فَعَلَى مَرَاتِبَ: (الأُولى) الخُرُوجُ لِقَضَاءِ الحَاجَةِ وَهُوَ لاَ يَضُرُّ، وَلاَ يَجِبُ قَضَاءُ تِلْكَ الأوْقَاتِ وَلاَ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عِنْدَ العَوْدِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قُرْب الدَّارِ وَبُعْدِها (و) وَبَيْنَ أَنْ يَكْثُرَ الخُرُوجُ (و) لِقَضَاءِ الحاجة أو يَقِلَّ، وَلاَ بَأْسَ بِعِيَادَةِ المَرِيضِ فِي الطَّريِقِ مَنْ غَيِرْ تَعْرِيجٍ، وَلاَ بَأْسَ بِصَلاَةِ الجَنَازَةِ مِنْ غَيْرِ ازْوَارَ عَنِ الطَّرِيقِ، وَكَذَا كُلُّ وَقْفَةٍ في حَدِّ صَلاَةِ الجَنَازَةِ، وَإِنْ جَامَعَ في وَقْتِ قَضَاءِ الحَاجَةِ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ (و).

قال الرافعي: القيد الثالث كون الخروج بِغَيْرِ عُذْرٍ، وقد رتب العذر على مراتب:

إحداها: الخروج لقضاء الحاجة، فهو محتمل، روي عن عائشة -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةِ الإنْسَانِ" (١) وفي معناه الخروج للاغتسال عند الاحتلام، وقد تقدم ذِكْرُه. وهل يجوزُ الخروجُ لِلأْكْلِ؛ فيه وجهان:

أحدهما: وبه قال ابْنُ سُرَيْجٍ: لا، لأن الأكل في المسجد ممكن.

والثاني: وبه قال أبو إسْحَاق: نعم؛ لأنه قد يستحيي منه، ويشق عليه، والأول أظهر عند الإمام وصاحب "التهذيب".


(١) أخرجه البخاري (٢٠٢٩، ٢٠٣٣، ٢٠٣٤، ٢٠٤١، ٢٠٤٥) ومسلم (٢٩٧)، وانظر الحديث السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>