للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّابعة: إذا دُعيِ لأداء شَهَادَةِ فَخَرجَ لَهَا، نظر إن لم يكن متعيناً لأدائها انقطع تتابع اعتكافه، سواء كان مُتَعَيِّناً عند التَّحَمُّل، أو لم يكن، لأنه ليس له الخروج والحالة هذه لحصول الاستغناء عنه، وإن كان متعيناً لم يخل إما أن يكون متبرعاً عند التحمل أو يكون متعيناً، فإن كان متبرعاً فقد نَصَّ في "المختصر" على أنه ينقطع اعتكافه، وفي المَرْأَة إذا خَرَجَتْ لِلْعَدَّة أنه لا ينقطع بل تبنى، واختلف الأصحاب على طريقين.

أحدهما: وبه قال ابن سَريج: أنهما على قولين بالنقل والتخريج، ولا يخفى تَوجِيههما مِمَّا سَبَقَ في الصوّر، وبعضهم يُطْلِقُ في المَسْألةِ وجهين بدَلاً عن القولين، والثاني وبه قال أبو إِسْحَاقَ: تقرير النَّصَّيْنِ.

والفرق أن التَّحَمُّل إنما يكون للأداء، فإذا تحمل باختياره فَقَدْ ألجأ نفسه إلى الأداء، والنكاح لا يتأثر للعِدَّة على أن المرأة إلى النِّكَاحِ أَحْوَج منه إلى التَّحَمُّل، لتعلق مَصَالِحَها به، وظاهر المَذْهَبِ في كُلِّ واحدة من الصورتين ما نَصَّ عليه، وإن كَانَ متعيناً عند التحمل أيضاً فهو مرتب على مَا إِذَا لم يكن متعيناً، إن قلنا: لا ينقطع ثم هاهنا أولى، وإن قلنا: ينقطع فهاهنا وجهان، والفرق أنه لم يتحمل بِدَاعِيَتِهِ واختياره.

الخامسة: لو أخرج لإقامة حد عليه، نظر إن ثبت بإقراره انقطع اعتكافه، وإن ثبت ببينه فحاصل ما ذكره الأئمة فيه طَرِيقان كالطريقين فيما لو خَرَجَ لأداء الشَّهَادَةِ، إلا أن المنقول عن النَّصِّ هاهنا أنه لا ينقطع، واقتصر على الجَواب عليه كثير من أَئِمتنا العراقيين، والفرق بينه وبين مسألة الشَّهَادة أن الشهادة إنما تتحمل لتؤدي، فاختياره للتَّحمل اختيار للأداء، والجريمة الموجبة للحد لا يرتكبها المُجْرِم ليقام عليه الحد، فلم يجعل اختياره للسبب اختيارًا له،

السادسة: لو لزم المعتكفة في خلال اعتكافها عدة بطلاق، أو وفاة فعليها الخروج لتعتد في مَسْكَنِهَا، وإذا خرجت فيبطل اعتكافها، أم تبنى بعد انقضاء العدة؟ فيه الطريقان المذكوران في مسألة الشهادة، والأَصحُّ البِنَاء.

وإن كان اعتكافها بإذن الزَّوج، وقد عَيَّنَ مُدَّةً فهل يلزمها العَوْدُ إلى المَسْكَنِ عِنْدَ الطَّلاَقِ، أو في الوفاة قبل اسْتِكْمَالِهَا؟ فيه قولان يذكران في العدة فإن قلنا: لا، فخرجت بَطَل اعتكافها بِلاَ خِلاَف، هذا بيان الصور التي نظمها في سْلِك الواحد، ويجوز أن يعلم قوله: (فقولان) بالواو؛ لأنه أجاب فيهما جميعاً على طريقة طرد الخلاف، وفي الصور الثلاث الأخيرة طريقة نافية للخلاف على ما بَيَّنَاهَا.

وأما ما ذكر من ترتيب الخِلاَف في هذه الصُّورة على الخِلاَف في الحَيْض، أولوية الانقطاع فوجهه أن الحَيْضَ متكرر بحكم الجبلة شبيه بِقَضَاء الحَاجَةِ، وهذه الأُمُورُ عَارِضَةٌ لا تنتظم، ورتب الإمام مع ذلك بعض هذه الصور على بعض، فجعل صورة

<<  <  ج: ص:  >  >>