للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريق وحج. وكما لو تحمل المريض المشقة وحضر الجمعة. وأما وجوب حجة الإسلام فيعتبر فيه هذه الشرائط، فلا يخاطب بالحَجِّ كافرٌ في كُفْرِهِ وَلاَ عَبْدٌ، ولا صَبِيُّ، ولا مجنون. وله شرط زائد وهو الاستطاعة، قال الله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، وكلام الكتاب من هذا الموضع إلى رأس المقدمة الثانية في المواقيت يتعلق بهذا الشَّرْط.

قال الغزالي: وَالاستطاعة نَوْعَانِ: الأَوَّلُ المُبَاشَرَةُ وَالقُدْرَةُ عَلَيْهَا تَتَعَلَّقُ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالطَّرِيقِ وَالْبَدَنِ (أَمَا الرَّاحِلَةُ) فَلاَ بُدَّ مِنْهَا وَلاَ يَجِبُ (ح م) الحَجُّ عَلَى القَوِيِّ عَلَى المَشَي إِلاَّ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ القَصْرِ، وَلاَ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ عَلَى الرَّاحِلَةِ مَا لَمْ يَجِدْ مَحْمَلاً أَوْ شِقَّ مَحْمَلٍ مَعَ شَرِيكٍ، فَإنْ لَمْ يَجِدِ الشَّرِيكَ لَمْ يَلْزَمْهُ.

قال الرافعي: استطاعة الحج نوعان: استطاعة مباشرته بنفسه، واستطاعة تحصيله بغيره. النوع الأول: استطاعة المباشرة، وتتعلق بأمور أربعة:

أحدها: الراحلة (١)، والنَّاس قسمان:

أحدهما: من بينه وبين مكَّة مسافة القصر فلا يلزمه الحَجّ، إلا إذا وجد رَاحِلَةً، سواء كان قادراً على المَشْي أو لم يكن، لكن القادر على المَشْي يُسْتَحِبُّ له أن لا يترك الحَجَّ، وفي كون الحج راكَباً أو ماشياً أفضل اختلاف قول قد تعرض له صاحب الكتاب في النذور (٢). وقال مالك: القادر على المَشْي يَحُجُّ مَاشِياً لنا ما روي: "أَنَّهُ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ تَفْسيِرِ السَّبيلِ فَقَالَ: زَادٌ وَرَاحِلَةٌ" (٣)، إذا عُرِف ذلك فينظر إن كان يَسْتَمْسك عَلى الرَّاحِلة من غير مَحْمَلِ ولا يلحقه ضَرَرٌ ولا مشَقَّة شديدة، فلا يعتبر في حقه إلا وُجْدَان الراحلة، وإلا فيعتبر مع وجدان الرَّاحِلة وُجدان المَحْمَل أيضاً.

قال في "الشامل" وعلى هذا لو كان يلحقه مشقة غَلِيظَة في ركوب المحمل اعتبر في حقه الكنيسة (٤)، وذكر المُحَامِلِيُّ وغيره من العراقيين: أن في حق المرأة يعتبر


(١) فائدة: قال الجوهري: الراحلة هي اناقة التي تصلح لأن ترحل، قال: ويقال: الراحلة المركوب من الإبل ذكراً كان أو أنثى، وفي باب الربا من "شرح المهذب" أن الراحلة هو البعير التجيب. ويدخل في معنى الراحلة ما يستخدم حديثاً في سهولة النقل سواء كان بطريق البر أو البحر أو الجو.
(٢) قال النووي: المذهب أن الركوب أفضل اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولأنه أعونُ له على المحافظة على مهمات العيادة. ينظر الروضة (٢/ ٢٧٨).
(٣) أخرجه الدارقطني (٢/ ٢١٦) والحاكم (١/ ٤٤٢) وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه الترمذي، وابن ماجة من رواية ابن عمر، وقال الترمذي: حسن.
(٤) والكنيسة: أعواد مرتفعة في جوانب المحمل يكون عليها ستر دَافِعٌ للبردِ والحَرِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>