للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان يتناثر، والأصح أنه حيث جوز أراد المَدَرَ المتماسك، وحيث منع أراد المتناثر؛ لأنه يلتصق بالنجاسة، ولا يتأتى التحامل عليه ولو تحامل لتعدت النجاسة موضعها، وانتشرت، ثم لو استنجى بما لا يقلع لم يسقط الفرض به، وإن انقى، ويتعين بعده الإزالة بالماء إن نقل النجاسة من موضع إلى موضع، وإن لم ينقل جاز الاقتصار على الحَجَرِ، وخرجوا على الشرط الأول.

والثاني: امتناع الاستنجاء بالحجر الرَّطْبِ، ونحوه؛ لأن البَلَلَ الذي عليه ينجس بإصابة النجاسة إياه، ويعود شيء منه إلى مَحِلِّ النَّجْو، فيحصل عليه نجاسة أجنبية، ويكون كاستعمال الحجر النجس؛ ولأن الشيء الرطب لا يزيل النجاسة، بل يزيد التلوث والانتشار. وحكى القاضي ابن كج وغيره وجهاً آخر، أنه يجوز الاستنجاء بالشيء الرطب، ولمن نصره أن يقول لا نسلم أن البلل الذي عليه ينجس بإصابة النجاسة إياه، وإنما ينجس عندي بالانفصال كالماء الذي يغسل به النجاسات، وأما قوله: إنه لا يزيل النجاسة ممنوع، نعم لو كان عليه شيء محسوس من الماء فربما كان كذلك، أما مجرد البلل فلا.

والثالث: أن لا يكون محترماً فلا يجوز الاستنجاء بالمطعومات لحرمتها، والعَظْمُ معدود من المَطْعُومَاتِ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- "نَهَى عَنْ الاسْتِنْجَاءِ بالْعَظْمِ، وَقَالَ: إِنَّهُ زاد إخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ" (١). وليس له حكم طعامنا في تحريم الربا، فيه وغيره، وعند مالك لَا منع من الاسْتِنْجَاء بالعَظْمِ الطاهر، والخبر حُجَّةٌ عليه، ومن الأشياء المحترمة ما كتب عليه شيء من العلم، كالحديث والفقه، وفي جزء الحيوان المتصل به كَاليَدِ وَالعَقِب من المستنجى وغيره كَذَنَبِ الحمار وجهان:

أصحهما: أنه لا يجوز الاستنجاء به؛ لحرمته، ومنهم من فرق بين أن يستنجى بيد نفسه [أو يد غيره، فقال: لا يجوز أن يستنجى بيد نفسه] (٢) ويجوز أن يستنجى بيد غيره، كما يجوز أن يسجد على يد غيره دون يد نفسه، وعكس إمام الحرمين ذلك، فقال: له أن يستنجى بيد نفسه دون يد غيره، لأنه لا حرج على المرء في تعاطي النجاسات، ومهما جرى الخلاف في جزء الحيوان، ففي جملة الحيوان أولى، وصورته: أن يستنجى بعصفورة حية، وما في معناها، ولا يلحق بالمحترمات في هذا الحكم للذهب، والفضة في أظهر الوجهين فيجوز الاستنجاء بالقطعة الخَشِنَةِ من الذهب، والجواهر النفيسة، كما يجوز أن يستنجى بالقطعة من الدِّيْبَاج، ثم إذا استنجى


(١) أخرجه البخاري ١٥٥، ٣٨٦٠ من حديث أبي هريرة، مسلم ٢٦٢ من حديث سلمان ٢٦٣، ومن حديث جابر عند أبي داود ٣٦، والنسائي ٨/ ١٣٥، ١٣٦، وأحمد ٤/ ١٠٨، ١٠٩.
(٢) سقط في ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>