للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا يشعر بأن الحكم غير مخصوص بالحجر، وإلا فلا فرق بين الرَّجِيعِ والعَظْمِ وسائر ما ليس بحجر، ولعل ذكر الأحجار جرى لغلبتها والقدرة عليها في عامة الأماكن، ثم إذا استنجى بثلاثة أحجار ونحوها واستوفى العدد، لكنه لم ينق وجب عليه أن يزيد، حتى ينقى. فإنه المقصود الأصلي من شرع الاسْتِنْجَاء، فلو حصل الإنقاء بالرابعة استحب أن يِوتِرَ بخامسة؛ لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا اسْتَجمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُسْتَجْمرْ وِتْراً (١) ". وإذا عرفت ذلك لم يخف عليك أن قوله: فيستنجى بثلاثة أحجار مسوق على موافقة الخبر، وإلا فالحكم غير مخصوص بالأحجار، وقوله: استعمل رابعة. أي: وجوباً وقوله: أوتر بخامسة، أي: استحباباً.

المسألة الثانية: في كيفية الاستنجاء، وجهان:

أظهرهما: وبه قال ابن أبي هريرة وأبو زيد المروزي: أنه يمسح بكل حجر جميع المَحِلِّ، بأن يضع واحداً على مقدم الصفحة اليمنى فيمسحها [به إلى مؤخرها، ويديرها إلى الصفحة اليسرى فيمسحها] (٢) به من مؤخرها إلى مَقْدِمِهَا، فيرجع إلى الموضع الذي بدأ منه، ويضع الثاني على مقدم الصفحة اليسرى، ويفعل به مثل ذلك، ويمسح بالثالث الصفحتين والمسربة. وتوجيهه ما روى: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، يُقْبِلُ بِوَاحِدَةٌ وَيُدْبِرُ بِأُخْرَى، وَيُحَلِّقُ بِالثَّالِثِ (٣).

وَالثَّانِي": قاله أبو إسحاق، إنَّ حجراً للصفحة اليمنى، وحجراً لليسرى، وحجراً للوسط؛ لما روى: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "حَجَرٌ لِلصَّفْحَةِ الْيُمْنَى، وَحَجَرٌ لِلصَّفْحَةِ الْيُسْرَى، وَحَجَرٌ لِلْوَسَطِ (٤) " وحكى في "التهذيب" وجهاً ثالثًا، وهو أنه يأخذ واحداً؛ فيضعه على مقدم المسرَبة، ويديره إلى مؤخرها، ويضع الثاني على مؤخرها، ويديره إلى مقدمها، ويحلق بالثالث، كأن المراد بالمسربة جميع الموضع، وعلى هذا الوجه يمسح بالحجر الأول، والثاني جميع الموضع، كأنه صَفْحَةٌ واحدة، ويدير الحجر الثالث على المنفد، بهذا يفارق هذا الوجه الأول، فإنه على ذلك الوجه يُطِيفُ الحجرين الأولين، ويمسح بالثالث جميع الموضع، وهذا الخلاف في الاستحقاق، أم في الأولوية، والاستحباب فيه وجهان عن الشيخ أبي محمد: أن الوجهين موضوعان على التنافي، فصاحب الوجه


(١) أخرجه مسلم ٢٣٧، والبخاري بلفظ: "من استجمر فليوتر" ١٦١، ١٦٢.
(٢) سقط في ب.
(٣) غريب قال النووي في شرح المهذب ضعيف منكر لا أصل له. انظر الشرح ٢/ ١١٥.
(٤) أخرجه الدارقطني ١/ ٥٦، والبيهقي ١/ ١١٤، ومن رواية سهل بن سعيد الساعدي، وقالا: إسناده حسن، وضعفه العقيلي. انظر الضعفاء للعقيلي ١/ ١٦، وانظر التلخيص ١/ ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>