للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَسْجِدِ، فإن لم يفعل ففي أي موضع شاء من الحَرَمِ وغيره، ويجهر بالقِرَاءَةِ فيهما لَيْلاً، ويسر نهاراً. وإذا لم نحكم بوجوبهما فَلَوْ صَلَّى فريضة بعد الطّواف حسبت عن ركعتي الطَّوافِ اعتباراً بتحية المسجد. حكى ذلك عن نَصِّه في القديم، والإمام حكاه عن الصَّيْدَلاَنِيِّ نفسِه، واستبعده، وتختص هذه الصَّلاة من بين سائر الصلوات بشيء وهو جريان النيابة فيها، إذ يؤديها عَنْهُ المستأجر.

وقوله في الكتاب: (ركعتان عقيب الطواف مشروعتان) أراد به التَّعَرَضِ لِمَا يشترك فيه القولان، وهو أصْلُ الشَّرْعِيَّة، ثم بين الاختلاف في الوجوب.

وقوله: (وليستا من الأركان) أراد به أن الاعتداد بالطَّوَافِ لا يتوقف عليهما أو شيئاً هذا شأنه، وقد ذكره الإمام أيضاً لكن في طرق الأئمة ما ينازع فيه؛ لأنهم ذكروا القولين في طواف الفَرْضِ، ثم قالوا: إن كان الطواف تطوعاً ففيه طريقان:

أحدهما: القطع بعدم الوجوب، وبه قال أبُو زَيْدٍ؛ لأن الأصل الطَّواف لَيْسَ بِوَاجِبٍ، فكيف يكون تابعه وَاجِباً.

والثاني: وبه قال ابْنُ الحَدَّادِ: طرد القولين، ولا يبعد اشتراك الفرض والنفل في الشَّرَائط، كاشتراط صلاة الفَرْضِ والتطوع في الطَّهارة، وستر العورة، وغيرهما، وكذا اشتراكهما في الأركان كالركوع، والسجود، وغيرهما، ومعلوم أن هذا التوجيه ذهاب السهونهما رُكناً أو شرطاً في الصَّلاَةِ، وعلى التقديرين فالاعتداد يتوقف عليهما.

وقوله: (في وجوبهما قولان) يجوز إعلامه بالواو؛ لأنه إن أراد مطلق الطَّوَافِ ففي النفل منه طريقة قاطعة بنفي الوجوب كما عرفتها، وإن أراد الفرض منه ففيه طريقة قاطعة بالوجوب حكاها الشيخ أَبُو عَلِيّ.

وقوله: (وليس لتركهما جبران لأنه لا يفوت) معناه ما مر من أنه يحتمل تأخيرهما، ويجوز فعلهما في أي مَوْضِعٍ شاء، ولكن حكى صاحب "التتمة" عن نص الشافعي -رضي الله عنه- أنه إذا أخر يستحب له إراقة دم.

وقوله: (إذ المولاة ليست بِشَرْطِ في أجزاء الطواف) فيه أولاً تعرض لمسألة مقصودة وهي: أن الطائف ينبغي أَن يوالي بين أشواط الطواف وأبْعَاضِه، فلو خالف وفَرِّق هل يجوز البِنَاءُ على ما أتى به؟ فيه قولان:

أصحهما: الجواز، وهما كالقولين في جواز تفريق الوُضُوءِ، لأن كل واحد منها عبادة يجوز أن يتخللها ما لَيْسَ مِنْهَا، بخِلاَف الصَّلاَةِ، والقولان في التفريق الكثير بلا عُذْرٍ، فأما إذا فرق يسير أو كثراً بالعُذْرِ، فالحكم على ما بَيَّنَّ في الوُضُوءِ.

قال الإمام: والتفريق الكثير هو الذي يغلب على الظَّنِّ تركه الطَّواف.

<<  <  ج: ص:  >  >>