للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَبَلٌ من المَشْعَرِ الحَرَامِ ويقال: هو المشعر، والمشعر من المزدلفة فإن المزدلفة ما بين مأزمي عرفة ووادي مُحَسَّر، ويذكرون الله -تعالى- ويدعون إلى الإسْفَارِ قال الله -تعالى -: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (١)، والأحب أن يكونُوا مُسْتَقْبلِي القبلةُ، ولو وقفوا في مَوْضِعٍ آخر من المُزْدَلفَةِ تأدَي أصْلُ السنة، لكنه عند المَشْعَرَ أفضل (٢)، ولا يجبر فوات هذه السُّنة بالدَّمِ كسائر الهَيْآتِ، فإذا أسفروا سَارُوا وعليهم السَّكِينة، ومن وجد فرجةً أسرع كما في الدَّفْع من عرفة، فإذا انتهوا إلى وَادِي مُحَسَّر فالمستحب للرَّاكِبينَ أَنْ يُحَرِّكُوا دَوَابَّهُم، وَللْمَاشِينَ أَنْ يُسْرِعُوا قَدْرَ رَمْيَةٍ بحَجَرٍ" يروى ذلك عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (٣).

وقد قيل: إن النَّصَارَى كانت تقف ثَمَّ، فأمرنا بِمُخَالَفَتِهِم، ثم يسيرون على السكينة، فيوافون مِنَى بعد طُلُوعِ الشَّمْسِ، فيرمون سَبْعَ حصياتٍ إلى جَمْرَةِ العَقَبَةِ، وهي في حضيض الجَبَلِ مترقبة عن الجَادَّةِ على يمين السَّائِرِ إلى مكة، "وَلاَ يَنْزِلُ الرَّاكِبُونَ حَتَّى يَرْمُوا كمَا فَعَلَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-" (٤) والسنة أن يكبروا مع كل حَصَاةٍ، ويقطعوا التلبية إذا ابتدأوا بالرَّمْيِ. روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ رَمَاهَا" (٥).

والمعنى فيه: أن التلبية شِعَارُ الإحْرَام، والرمي أخذٌ في التحلل، وعن القَفذَالِ: أنهم إذا رَحَلُوا من مزدلفة مزجوا التلبية بالتكبير في مَمَرِّهِم، فإذا انتهوا إلى الجمرة وافتتحوا الرمي مَحَّضُوا التكبير.

قال الإمام: ولم أر هذا لِغَيْرِهِ، ثم إذا رموا جَمْرَةَ العَقَبَةِ نَحَرُوا إنْ كَانَ مَعَهُمْ هَدْيٌ، فذلك سُنّة، ثم بعد ذَبْحِ الهَدْي يَحْلِقُونَ أو يُقَصِّرُونَ، وإذا فرغوا منه عادوا إلى مَكَّة، وطافوا طَوافَ الرُّكْنِ، ويسعون بَعده إن لم يَطُوفُوا لِلْقُدُوم، أو لم يسعوا بعده، ثم يعودون إلى مِنَى للمبيتِ بِهَا، والرَّمْيِ أيام التَّشْرِيقِ، وليعودوا إلَيها قَبْلَ أن يصلوا الظُّهرَ،


(١) سورة البقرة، الآية ١٩٨.
(٢) لقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}. ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ركب القصوى حتى أتى على المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، ودعا الله تعالى، وكبر وهلل ووحد، ولم يزل واقفاً حتى أسفر رواه مسلم عن جابر في حديثه الطويل. وفي التنبيه وغيره أنه يستحب أن يقول: اللهم كلما وقفنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذلك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا لقولك وقولك الحق: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ويكثر أيضاً من التلبية ومن قوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
(٣) أخرجه مسلم (١٢١٨) من حديث جابر.
(٤) أخرجه مسلم من رواية جابر (١٢١٨).
(٥) أخرجه البخاري (١٥٤٣، ١٥٤٤، ١٦٧٠، ١٦٨٥، ١٦٨٦، ١٦٨٧) ومسلم (١٢٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>