للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لبس الَقَمِيص والسَّرَاوِيلِ والتِبَّان والخف، روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئِل عما يلبس المحرم من الثِّيَاب فقال: "لاَ يَلْبُسُ الْقَمِيصَ وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ وَلاَ الْعَمَائم وَلاَ الْبَرَانِسَ وَلاَ الْخِفَافَ إِلاَّ أَحَدٌ لاَ يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبس خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ" (١).

ولو لبس شيئاً من ذلك مختاراً لزمه الفدية، سواء طَالَ زَمَانُ اللبس أَوْ قَصُر.

وقال أبو حنيفة: إنما تلزم الفدية التامة إذا استدام اللبس يوماً كَامِلاً فإن كان أقل فَعَلَيْهِ صَدَقَة. لنا: أنه بَاشَرَ مَحْظُورَ الإِحرَامِ فتلزمه الفِدْيَة كما لَوْ حَلَق.

ولو لبس القباء تلزمه الفِدية سواء أدخل يَدَيْهِ في الكمين واْخرجهما منهما أم لا، وبه قال مَالِكٌ وأحمد -رحمهما الله- خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله- في الحالة الثانية. لنا: أنه لبس مخيطاً على وجهٍ معتادٍ فتلزمه الفِدْيَة كما لو لَبِسَ القَمِيصَ، وهذا لأن لابس القباء قد يدخل كتفه فيه ويتركه كذلك.

ولو ألقى على نفسه قباء أو فرجياً وهو مضطجع، قال الإمام: إن أخذ من بدنه حتى ما إذا أقام عد لاَبِساً فعليه الفِدْيَة، وإن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلا بمزيد أَمْرٍ فلا. وقوله في الكتاب: (وإن لم يدخل اليد في الكم) يجوز أن يُعَلَّم مع الحاء بالواو؛ لأنه نقل عن "الحَاوِي" أنه إن كان من أقبية خراسان قصير الذَّيْلِ ضيق الاكمام لَزِمَت الفدية وإن لم يدخل اليَدِ في الكُمِّ، وإن كان من أقبية العِرَاق طويل الذيل واسع الأَكِمَّة فلا فدية حتى يدخل يديه في كُمَّيْهِ.

واعلم أن قولنا: لا يلبس المخيط، ترجمة لها جزآن لبسٌ ومخيط.

فأما اللبس فهو مرعي في وجوب الفِدْية على ما يعتاد في كل ملبوس، إذ به يحصل التَّرَفُّهُ والتَّنَعُّمُ فلو ارتدى بِقَمِيص أو قباء، أو التحف فيهما أو اتزر بِسَرَاوِيل فلا فدية عليه، كما لو اتزر بإزار خيط عليه رقاع.

وأما المَخِيط فخصوص الخياطة غير معتبر، بل لا فرق بين المخيط وبين المنسوج كالدَّرْعِ، والمعقود كجبة اللبد، والملفق بعضه ببعض قياساً لغير المخيط على المخيط (٢)


(١) أخرجه البخاري (١٣٤، ٣٦٦، ١٥٤٢، ١٨٣٨، ١٨٤٢، ٥٧٩٤، ٥٨٠٣، ٥٨٠٥، ٥٨٠٦، ٥٨٤٧، ٥٨٥٢) ومسلم (١١٧٧).
(٢) هنا ثلاثة أمور:
أحدها: اللبس، والمعتبر فيه العادة في كل ملبوس، إذ به يحصل السرف، فلو ارتدى بالقميص أو اتزر بالسراويل، فلا فدية عليه كما لو اتزر بإزار مخيط من رقاع.
الثاني: المخيط، وما في معناه. وهو المنسوج كالدرع ونحوه، وكذلك المعقود يعني الملزق =

<<  <  ج: ص:  >  >>