للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي تخمر (١) أو في بيت يخمر ساكنوه فلا فدية، لأن ذلك لا يسمى تطيباً، ثم إن قصد الموضع لا لاشتمام الرائحة لم يُكْرَه، وإن قصده لاشتمامها كره على أصح القولين. وعن القاضي حسين -رحمه الله- أن الكراهة ثابتة لا محالة، والخلاف في وجوب الفدية. ولو احتوى على مجمرة فَتَبَخَّرَ بالعُودِ بَدَنَهُ، أو ثيابُه لزمته الفِدْيَةُ، لأن هذا طريق التطيب منه، وعن أبي حنيفة أنه لا فدية فيه.

ولو مَسَّ طِيباً فلم يعلق بيده شَيْءٌ من عينه، ولكن عبقت به الرَّائحة، فهل تلزمه الفدية؟ فيه قولان:

أحدهما: لا، وهو منقول المُزَنِي؛ لأن الرائحة قد تحصل بالمُجَاورة من غير مُمَاسة، فلا اعتبارَ بِهَا.

والثاني: ويروى عن "الإملاء"، نعم؛ لأن المقصودَ الرائحةُ وقد عبقت به، وذكر صاحب العدة وغيره، أن هذا أصح القولين، وكلام الأكثرين يميل إلى الأَوَّلِ.

الثانية: لو شَدَّ المِسْك أو العنبر أو الكافور في طرف ثوبه أو وضعته المرأة في جيبها أو لبست الحُلِيّ المحشو بشيءٍ مِنْهَا وجبتِ الفِدْيَةَ، فإن ذلك طريق استعمالها، ولو شَمَّ الوردَ فقد تطيب به، ولو شم ماء الورد فَلاَ، بل الطريق فيه أن يَصُبَّهُ على بدنه، أو ثيابه، ولو حمل مِسْكاً أو طيباً آخر في كِيسٍ، أو خرقة مشدودةٍ، أو قارورةٍ مصممة الرأس، أو حمل الورد في ظرف فلا فدية، لأنه لم يستعمل الطَّيب، حكى ذلك عن نصه في "الأم" وحكى الرّوَيانِي وغيره فيه وجهاً، أنه إن كان يشم قصداً لزمه الفِدْيَة وإن حمل مِسْكاً في كيس أو خرقة غير مشقوقة فوجهان:

أحدهما -وبه قال القَفَّالُ-: تَجِب الفدية وحمل الفأرة تطيب.

وأصحهما: وبه قال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: لا تجب: نفس الفأرة، لَيْسَ بِطِيبٍ، وإنما الطيب المسك، وبينه وبينه حَائِل، فأشبه سورة القارورة أي المصممة.

ولو كانت الفأرة مشقوقة، أو القارورة مفتوحة الرَّأْسِ، فقد قالوا بوجوب الفِدْية، وليس ذلك واضحاً مِن جِهَةِ المَعْنَى، فإنه لا يُعَد ذَلِك تَطَيُّباً.

الثالثة: لو جلس على فِرَاشٍ مطيب، أو أَرْضٍ مطيبة ونام عليهما مُفْضِياً ببدنه أو ملبوسه إليهما لزمته الفدية، وجعل ملاقاته بمثابة لبسَ الثَّوْبِ المُطَيِّبِ، كما تجعل ملاقاة الشَّيْءِ النَّجس بمثابة لبس الثوب النجس، فلو فرش فوقه ثوباً ثم جَلَس، أو نام لم تجب الفدية، لكن لو كان الثوب رقيقاً كره، ولو داس بنعله طيباً لزمته الفدية لأنها ملبوسة له.


(١) والتخمير: التبخير، المصباح المنير (١/ ١٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>