للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: وَالجِمَاع دَاِئرٌ بَيْنَ الاسْتِمْتَاعَاتِ وَالاسْتِهْلاَكَاتِ، فَإِنْ أُلْحِقَ بِالاسْتِمْتَاعِ كَانَ النِّسْيَانُ عُذْراً فِيهِ.

قال الرافعي: جميع ما ذكرنا في جماع العامد العالم بالتحريم فأما إذا جامع ناسياً، أو جَاهِلاً بالتحريم ففي فساد حجه قولان:

القديم -وبه قال أبو حنيفة، ومالك المزني -رحمه الله-: أنه يفسد؛ لأن سبب مُعَلَّقٌ بِه وجوب القَضَاءِ، فأشبه الفوات في استواء عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ.

والجديد: أنه لا يفسد إلا أن يُعَلَّم فيدوم عليه، ووجهه أن الحَجّ عبادة تتعلق الكَفَّارَةِ بإفْسَادِهَا، فيختلف حكمها بالعَمْدِ والسَّهْوِ، كالصوم وفارق الفوات؛ لأن الفوات يتعلق بارتكابِ مَحْظُورٍ، ولا يخفى افتراق الطرفين في الأُصُولِ.

وقوله: (والجماع دَائِرٌ بين الاستمتاعات والاستهلاكات إلى آخره)، أشار به إلى ما ذَكَرَهُ الأئمة أن معنى الاستمتاع بَيِّنٌ في الجِمَاع، وفيه مشابهة الاستهلاك، ولهذا يضمن به المهر بالقولان مبنيان على أن أي المعنيين يرجح إن رجحنا معنى الاستمتاع فرقنا بينهما كما في الطّيبِ وَاللِّبَاسِ، وهو الأصَح.

وقوله: (كان النسيان عذراً فيه) مُعَلَّمٌ بالحاء والميم والزاي، لما عرفته من مذهبهم، ولو أكره على الوَطْءِ، فمنهم من جعل الفساد على وجهين بناء على القولين في النَّاسِي، وعن أبي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رحمه الله- القطع بالفساد ذهاباً إلى أن إكراه الرجل على الوطء ممتنع ولو أحْرَمَ عَاقِلاً، ثم جن فجامع ففيه القولان في جِمَاعِ النَّاسِي (١) -والله أعلم-.

قال الغزالي: وَيفْسَدُ الحَجُّ بِالرِّدَّةِ طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ، فَلَوْ عَادَ إلى الإسْلاَمِ لَمْ يَلْزَمِ المُضِيُّ فِي الفَاسِدِ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الرِّدَّةِ مُحْبِطَةٌ.

قال الرافعي: لما تكلم فيما يفسد الحج، وهو الجماع أراد أن يبين أن المُفْسِدَ هل هوَ مُخْتَصِرٌ فيه أم لا؟ وفقه الفَصْل أن الأصحاب اختلفوا في أن عروض الرِّدَّةِ في الحَجِّ والعمرة يفسدهما على وجهين:

أحدهما: أنها لا تُفْسِدُهُمَا، لكي لا يعتد بالمأتي به في زمان الرِّدَّة على ما مَرَّ نظيره في الوُضُوءِ والأذان.


(١) ما ذكره المصنف هنا وتبعه النووي في "الروضة" يتمشى على رأي مرجوح وهو أن عمد المجنون خطأ، والأظهر أن عمد المجنون عمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>